كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَلِهَذَا كَانَ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَعًا فِي الْكُبْرَى حَدًّا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا فِي الصُّغْرَى حَدَّيْنِ، وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرَ بَيْن الصَّلْبِ وَتَرْكِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ التَّشْهِيرُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ أَصْلُ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ (وَيُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ) وَمِثْلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ. وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ.
وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ وَهُوَ
كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ) فَإِنَّ السَّارِقَ إذَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَإِنَّهُ يُرْجَمُ لَا غَيْرُ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. قَوْلُهُ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ) أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَلَدَاتِ فِي الزِّنَا لَا تَتَدَاخَلُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ حَدًّا وَاحِدًا لَمَا جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَ الْقَطْعَ كَمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجَلَدَاتِ. أُجِيبَ بِأَنَّ وِلَايَةَ تَرْكِ الْقَطْعِ لَيْسَ بِطَرِيقِ التَّدَاخُلِ بَلْ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فِي إجْزَاءِ حَدٍّ وَاحِدٍ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ لِذَلِكَ، ثُمَّ إذَا قَتَلَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِغَالِهِ بِالْقَطْعِ بَعْدَهُ كَمَا إذَا ضَرَبَ الزَّانِيَ، خَمْسِينَ جَلْدَةً فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إقَامَتِهِ وَالْبَعْجُ الشَّقُّ مِنْ حَدٍّ مُنِعَ. قَوْلُهُ (وَعَنْ الْكَرْخِيِّ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: يُصْلَبُ وَهُوَ حَيٌّ وَيُطْعَنُ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَمُوتَ. وَقَوْلُهُ (تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ) لِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute