لَهُ أَنَّ الْمُبَاشِرَ أَصْلٌ، وَالرَّدُّ تَابِعٌ وَلَا خَلَلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْعَاقِلِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَلَلِ فِي التَّبَعِ، وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ.
وَأَمَّا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقَدْ قِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ
الطَّرِيقُ وَاسْتَهْلَكَ مَالَ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ حَيْثُ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ وَيَجِبُ الضَّمَانُ. وَأَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَتْ التَّوْبَةُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى رَدِّ الْمَالِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى رَدِّ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ فَلَا يَتِمُّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْوَضْعُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْمَشَايِخِ.
وَقَوْلُهُ (وَفِي عَكْسِهِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ) يَعْنِي إذَا بَاشَرَ غَيْرُ الْعُقَلَاءِ صَارَ الْخَلَلُ فِي الْأَصْلِ، وَلَهُ الِاعْتِبَارُ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْكُلِّ. وَقَوْلُهُ (فَصَارَ كَالْخَاطِئِ مَعَ الْعَامِدِ) يَعْنِي إذَا رَمَى بِسَهْمٍ إلَى إنْسَانٍ عَمْدًا وَرَمَاهُ آخَرُ خَطَأً وَأَصَابَهُ السَّهْمَانِ مَعًا وَمَاتَ مِنْهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْعَامِدِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ فَيَكُونُ فِعْلُ الْخَاطِئِ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْعَامِدِ. وَقَوْلُهُ (فَقَدْ قِيلَ تَأْوِيلُهُ) ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ، وَفِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَحَدِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ أَحَدِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ امْتَنَعَ عَنْ الْبَاقِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالٌ مُفْرَدٌ فَالْحَدُّ يَجْرِي عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ سَرَقُوا مِنْ حِرْزِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ أَحَدِهِمْ مَالًا وَمِنْ حِرْزِ أَجْنَبِيٍّ مَالًا آخَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقُوا مِنْ حِرْزِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ هُنَاكَ فِي الْحِرْزِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْحِرْزِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ حَافِظٌ لِمَالِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُطْلَقٌ) أَيْ لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِكَوْنِ الْمَالِ مُشْتَرَكًا (لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute