(وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعَوْهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ) بِهِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﵊ أُمَرَاءَ الْجُيُوشِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَمَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ كَالْمُرْتَدِّينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ لَا فَائِدَةَ فِي دُعَائِهِمْ إلَى قَبُولِ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ (فَإِنْ بَذَلُوهَا فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ ﵁: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَالْمُرَادُ بِالْبَذْلِ الْقَبُولُ وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ الْمَذْكُورِ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَدْعُوهُ) لِقَوْلِهِ ﵊ فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ «فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلِأَنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لَا عَلَى سَلْبِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَنُكْفَى مُؤْنَةُ الْقِتَالِ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ لِلنَّهْيِ، وَلَا غَرَامَةَ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ فَصَارَ كَقَتْلِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ) مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ». «وَعَهِدَ إلَى أُسَامَةَ ﵁ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ يُحَرِّقَ» وَالْغَارَةُ لَا تَكُونُ بِدَعْوَةٍ.
وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ) ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ فَنُكْفَى) بِالنُّونِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ مُؤْنَةَ الْقِتَالِ بِنَصْبِ مُؤْنَةِ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) إشَارَةٌ إلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﷺ بَعَثَ عَلِيًّا فِي سَرِيَّةٍ، وَقَالَ: لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ». وَقَوْلُهُ (لِعَدَمِ الْعَاصِمِ) أَيْ الْمُوجِبِ لِلْغَرَامَةِ (وَهُوَ الدِّينُ) عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ) عَلَى مَذْهَبِنَا. وَقَوْلُهُ (مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ) «لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا قَاتَلَ قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ دَعَا ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ الْفَرَاغِ جَدَّدَ الدَّعْوَةَ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ». وَقَوْلُهُ (أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ) أَيْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ خِبَائِهِمْ بِهُجُومِهِ عَلَيْهِمْ (وَهْم غَارُّونَ) أَيْ غَافِلُونَ. وَأُبْنَى عَلَى وَزْنِ حُبْلَى مَوْضِعٌ بِالشَّامِ، وَقِيلَ اسْمُ قَبِيلَةٍ (وَالْغَارَةُ لَا تَكُونُ بِدَعْوَةٍ) لِأَنَّ فِيهَا سَتْرَ الْأَمْرِ وَالْإِسْرَاعَ، لِأَنَّهَا اسْمُ مَصْدَرٍ لِلْإِغَارَةِ الَّتِي هِيَ مَصْدَرُ أَغَارَ الثَّعْلَبُ أَوْ الْفَرَسُ إغَارَةً وَغَارَةً: إذَا أَسْرَعَ فِي الْعَدْوِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute