وَلِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو حِصْنٌ عَنْ مُسْلِمٍ، فَلَوْ امْتَنَعَ بِاعْتِبَارِهِ لَانْسَدَّ بَابُهُ (وَإِنَّ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأُسَارَى لَمْ يَكُفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ) لِمَا بَيَّنَّاهُ (وَيَقْصِدُونَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ) لِأَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فِعْلًا فَلَقَدْ أُمْكِنَ قَصْدًا، وَالطَّاعَةُ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ، وَمَا أَصَابُوهُ مِنْهُمْ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ وَالْغَرَامَاتُ لَا تُقْرَنُ بِالْفُرُوضِ.
اجْتَمَعَا يُقَدَّمُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ (وَلِأَنَّهُ قَلَّمَا يَخْلُو حِصْنٌ مِنْ حُصُونِهِمْ عَنْ مُسْلِمٍ) أَسِيرٍ أَوْ تَاجِرٍ (فَلَوْ امْتَنَعَ) عَنْ الرَّمْيِ (بِاعْتِبَارِهِ لَانْسَدَّ بَابُهُ) أَيْ بَابُ الْجِهَادِ. وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَمَا أَصَابُوهُ مِنْهُمْ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا كَفَّارَةَ) يَعْنِي عِنْدَنَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ عَيْنُ صُورَةِ قَتْلِ الْخَطَإِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالرَّمْيِ الْكَافِرَ فَيُصِيبُ الْمُسْلِمَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ حَالِ مَنْ يُصِيبُهُ عِنْدَ الرَّمْيِ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ خَطَأً بَلْ كَانَ مُبَاحًا مَحْضًا، وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَلَنَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضٌ وَكُلُّ مَا هُوَ فَرْضٌ (فَالْغَرَامَاتُ لَا تُقْرَنُ بِهِ) لِأَنَّ الْفَرْضَ مَأْمُورٌ بِهِ لَا مَحَالَةَ، وَسَبَبُ الْغَرَامَاتِ عُدْوَانٌ مَحْضٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُعَارَضَةِ قَوْلِهِ ﷺ «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ، وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَاطِلٌ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامٌّ خَصَّ مِنْهُ الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ فَتُخَصُّ صُورَةُ النِّزَاعِ بِمَا قُلْنَاهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِرَانَ شَرْطٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَأَقُولُ: قَوْلُهُ ﵊ «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ» مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute