وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَنَعَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْأَمَانُ مِنْهُ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلَّهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَكَذَا الْأَمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ.
قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ. فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ) كَمَا إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي النَّبْذِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ) أَمَّا الرَّجُلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَبِالتَّسَبُّبِ بِالْمَالِ أَوْ الْعَبِيدِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ ﵊ «مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ» مَعْنَاهُ بِنَفْسِهَا. وَقَوْلُهُ (لِمُلَاقَاتِهِ) أَيْ لِمُلَاقَاةِ الْأَمَانِ (مَحَلَّهُ) لِأَنَّ مَحَلَّهُ هُوَ مَحَلُّ الْخَوْفِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَقَوْلُهُ (ثُمَّ يَتَعَدَّى) أَيْ الْأَمَانُ (إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الَّذِي أَمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي شَهَادَةِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الصَّوْمَ يَلْزَمُ مَنْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِيمَانُ) أَيْ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ (فَكَذَا الْأَمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ) فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ الْبَعْضِ فَإِمَّا أَنْ يَبْطُلَ أَوْ يَكْمُلَ، لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فَيَتَحَقَّقُ الثَّانِي، كَمَا إذَا وُجِدَ الْإِنْكَاحُ مِنْ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَسَاوِيَةِ فِي الدَّرَجَةِ صَحَّ النِّكَاحُ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّ سَبَبَ وِلَايَتِهِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ فَلَا تَتَجَزَّأُ الْوِلَايَةُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَدَلَّ بِالْمَعْقُولِ عَلَى وَجْهَيْنِ: جَعَلَ الْمَنَاطَ فِي أَحَدِهِمَا كَوْنَ مَنْ يُعْطِي الْأَمَانَ مِمَّنْ يَخَافُونَهُ وَفِي الْآخَرِ الْإِيمَانَ، وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ وَالتَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي جَوَازَهُ، وَلَوْ جَعَلَهُمَا عِلَّةً وَاحِدَةً بِحَذْفِ الْوَاوِ مِنْ الثَّانِي لِيَقَعَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَوَّلَ عِلَّةً وَالثَّانِيَ شَرْطًا وَسَمَّاهُ سَبَبًا مَجَازًا، وَالشَّيْءُ يَبْقَى عَلَى عَدَمِهِ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِهِ وَسَيَجِيءُ فِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ صَحَّ أَمَانُهُمْ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute