للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ مُتَحَقِّقٌ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَمْلِكُ الْمُسَايَفَةَ لِمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْرِي عَنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ فِي حَقِّهِ، وَالْأَمَانُ نَوْعُ قِتَالٍ وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ، وَفِيهِ سَدُّ بَابِ الِاسْتِغْنَامِ، بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ وَالْخَطَأُ نَادِرٌ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقِتَالَ، وَبِخِلَافِ الْمُؤَبَّدِ لِأَنَّهُ خَلَفَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ، وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ فَافْتَرَقَا.

الِامْتِنَاعَ إنَّمَا يَكُونُ لِتَحَقُّقِ إزَالَةِ الْخَوْفِ وَهُمْ لَا يَخَافُونَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مُعَارَضَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ وَكُلُّ مَحْجُورٍ عَنْ الْقِتَالِ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَخَافُونَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخَوْفَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِهِ وَلَا عَدَمِهِ، فَالْكُفَّارُ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَخَافُونَهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِتَرْكِ الْمُسَايَفَةِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا شَابًّا مُقْتَدِرًا عَلَى الْقِتَالِ مَعَ الْمُقَاتِلِينَ وَلَا يَحْمِلُ سِلَاحًا وَلَا يُقَاتِلُهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ وَالْأَمَانُ نَوْعُ قِتَالٍ لَكَانَ أَسْهَلَ إثْبَاتًا لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ) يُرِيدُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْرَى عَنْ احْتِمَالِ الضَّرَرِ. وَقَوْلُهُ (وَفِيهِ سَدُّ بَابِ الِاسْتِغْنَامِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ ضَرَرٌ فِي حَقِّهِمْ، فَإِذَا كَانَ مَمْنُوعًا عَنْ الضَّرَرِ لِلْمَوْلَى فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُ مَا يَضُرُّ الْمَوْلَى وَالْمُسْلِمِينَ.

وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْمُؤَبَّدِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ مُحَمَّدٍ صُورَةَ النِّزَاعِ عَلَى عَقْدِ الذِّمَّةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَمَانَ الْمُؤَبَّدَ (خَلَفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ الْمَطْلُوبُ بِهِ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ (فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ نَفْعٌ (وَلِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْجِزْيَةِ) وَهِيَ نَفْعٌ (وَلِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِمْ ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ إذَا طَلَبُوا عَقْدَ الذِّمَّةِ يُفْتَرَضُ عَلَى الْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ (وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ نَفْعٌ فَافْتَرَقَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>