ثُمَّ قِيلَ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ تَرَتُّبُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْقِسْمَةِ إذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ، لِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ. وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَسِّمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ دَلِيلَ الْبُطْلَانِ رَاجِحٌ،
وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ) أَيْ أَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا صَدَرَتْ الْقِسْمَةُ عَنْ الْإِمَامِ بِدُونِ الِاجْتِهَادِ هَلْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْمِلْكِ لِمَنْ وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ وَسَائِرِ الِانْتِفَاعِ أَوْ لَا؟ فَعِنْدَهُ يَثْبُتُ. وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْمِلْكِ. مَعْنَاهُ أَنَّ تَرَتُّبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ دَلِيلُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْعِلْمِ بِجَوَازِ الْقِسْمَةِ. فَعِنْدَهُ مُتَرَتِّبَةٌ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ الصَّادِرَةِ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ. وَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِمُتَرَتِّبَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ عِلَّةٌ لِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَقَدْ وُجِدَ الْمَعْلُولُ فَيَلْزَمُ وُجُودُ الْعِلَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ وَعِنْدَنَا لَمْ يُوجَدْ الْمَعْلُولُ فَيَلْزَمُ عَدَمُ وُجُودِ الْعِلَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَخَلُّفُ الْعِلَّةِ عَنْ الْمَعْلُولِ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْقِسْمَةَ بِقَوْلِهِ لَا عَنْ اجْتِهَادٍ لِيَظْهَرَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، فَإِنَّهُ إذَا قَسَمَ مُجْتَهِدًا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ. قَوْلُهُ (وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ) أَيْ حُكْمُ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَذْهَبِنَا الْكَرَاهَةُ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ لِمَا فِي الْقِسْمَةِ مِنْ قَطْعِ شَرِكَةِ الْمَدَدِ فَيَقِلُّ بِهَا رَغْبَتُهُمْ فِي اللُّحُوقِ بِالْجَيْشِ وَلِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ تَفَرَّقُوا فَرُبَّمَا يَكُرُّ الْعَدُوُّ عَلَى بَعْضِهِمْ وَهَذَا أَمْرٌ وَرَاءَ مَا تَتِمُّ بِهِ الْقِسْمَةُ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازَهَا (وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْأَفْضَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute