وَيُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِتَحْمِيلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْأَصْلَ (وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ بَعْدَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ لِقِيَامِ الْمِلْكِ فِيهِ عِنْدَهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ. .
قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مَا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ) قَالَ ﵁: أَرْسَلَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَاجَةِ، وَقَدْ شَرَطَهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي أُخْرَى. وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ. وَجْهُ الْأُخْرَى قَوْلُهُ ﵊ «فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تَحْمِلُوهَا» وَلِأَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِ الْحَاجَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لِأَنَّ الْغَازِيَ لَا يَسْتَصْحِبُ قُوتَ نَفْسِهِ وَعَلَفَ ظَهْرِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِيهَا وَالْمِيرَةُ مُنْقَطِعَةٌ، فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ السِّلَاحِ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُهُ فَانْعَدَمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تُمَسُّ إلَيْهِ الْحَاجَةُ فَتُعْتَبَرُ حَقِيقَتُهَا فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ فِي الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَالدَّابَّةُ مِثْلُ السِّلَاحِ، وَالطَّعَامُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ.
قَالَ (وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ) وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ: الطِّيبَ،
وَقَوْلُهُ (وَيُجْبِرُهُمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ) ظَاهِرٌ، وَيَكُونُ الْأَجْرُ مِنْ الْغَنَائِمِ يُبْتَدَأُ بِهِ قَبْلَ الْخُمُسِ، لِأَنَّ فِي هَذَا الِاسْتِئْجَارِ مَنْفَعَةً لِلْغَانِمِينَ فَهُوَ كَالِاسْتِئْجَارِ لِسَوْقِ الْغَنَمِ وَالرَّمَكِ، وَحَقُّ أَصْحَابِ الْحَمُولَةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِئْجَارِ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِئْجَارِ لَا شَرِكَةَ الْحَقِّ كَمَا فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ) وَاضِحٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ) فِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ بِكُلٍّ مِنْهَا يَتِمُّ الْمِلْكُ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْعِ الْغَنَائِمِ فِيهَا هَاهُنَا اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ هُنَاكَ أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ لِعَارِضِ الْحَاجَةِ وَالِاعْتِبَارُ لِلْأُمُورِ الْأَصْلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
قَوْلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ) أَيْ دَوَابَّهُمْ الْعَلَفَ (فِي دَارِ الْحَرْبِ) وَقَوْلُهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَاجَةِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَقَدْ شَرَطَهَا) يَعْنِي مُحَمَّدًا (فِي رِوَايَةٍ) هِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الصَّغِيرِ (وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي أُخْرَى) وَهِيَ رِوَايَةُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَوَجْهُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَفَ ظَهْرِهِ) أَيْ دَابَّتَهُ وَاسْتَعَارَ لَفْظَ الظَّهْرِ لَهَا وَالْمِيرَةُ الطَّعَامُ (فَيُعْتَبَرُ حَقِيقَتُهَا) أَيْ حَقِيقَةُ الْحَاجَةِ فِي السِّلَاحِ. وَقَوْلُهُ (وَالدَّابَّةُ مِثْلُ السِّلَاحِ) يَعْنِي فِي اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ لَكِنْ إذَا اُعْتُبِرَ حَاجَةُ الرُّكُوبِ، أَمَّا إذَا اُعْتُبِرَ فِيهَا الْأَكْلُ فَهِيَ كَالطَّعَامِ (وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الطِّيبُ) قِيلَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْقُدُورِيَّ نَفْسَهُ قَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ بِعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute