وَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوَيْنِ لِلِابْتِدَاءِ بِإِبْدَائِهِمَا. قَالَ ﵁: وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ. وَيُرْوَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ (فَإِنْ صَلَّتْ وَرُبْعُ سَاقِهَا أَوْ ثُلُثُهُ مَكْشُوفٌ
وَمِثْلُهُ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَسْتُرَ. وَقَوْلُهُ: (وَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوَيْنِ) يَعْنِي الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ (لِلِابْتِلَاءِ بِإِبْدَائِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ مُزَاوَلَةِ الْأَشْيَاءِ بِيَدَيْهَا وَمِنْ كَشْفِ وَجْهِهَا لَا سِيَّمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْمُحَاكَمَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ: وَبَدَنُ الْحُرَّةِ كُلُّهُ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا (تَنْصِيصٌ) مِنْهُ (عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِهَا.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ، وَبِهِ قَالَ الْكَرْخِيِّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ)؛ لِأَنَّهَا تُبْتَلَى بِإِبْدَاءِ الْقَدَمِ إذَا مَشَتْ حَافِيَةً أَوْ مُتَنَعِّلَةً فَرُبَّمَا لَا تَجِدُ الْخُفَّ، عَلَى أَنَّ الِاشْتِهَاءَ لَا يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَدَمِ كَمَا يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْوَجْهُ عَوْرَةً مَعَ كَثْرَةِ الِاشْتِهَاءِ فَالْقَدَمُ أَوْلَى، وَلَمَّا كَانَتْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَدَمَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ رَتَّبَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا بِالْفَاءِ فَقَالَ (فَإِنْ صَلَّتْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ الصَّلَاةَ مَعَ كَشْفِ مَا دُونَ رُبْعِ السَّاقِ فَكَانَتْ الْقَدَمُ مَكْشُوفَةً لَا مَحَالَةَ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: ﷺ «الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ مَسْتُورَةٌ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَدَنِهَا وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ اسْتِثْنَاءٌ فَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ بِالِابْتِلَاءِ تَخْصِيصٌ بِلَا لَفْظٍ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ الْآيَةَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَرَدَ قَبْلَ الْحَدِيثِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ نُسِخَ عُمُومُ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَالْحَدِيثُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِمَّا تَنَاوَلَهُ.
وَقَوْلُهُ: (وَثُلُثُ سَاقِهَا أَوْ رُبْعُ سَاقِهَا مَكْشُوفٌ) قِيلَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَذِكْرُ الرُّبْعِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الثُّلُثِ. وَأُجِيبَ بِأَوْجُهٍ بِأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَلِهَذَا لَمْ يَكْتُبْهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَبِأَنَّهُ شَكٌّ وَقَعَ مِنْ الرَّاوِي عَنْ مُحَمَّدٍ، وَبِأَنَّهُ إذَا ذُكِرَ الرُّبْعُ عُلِمَ مَانِعِيَّةِ الثُّلُثِ بِالدَّلَالَةِ وَالتَّنْصِيصِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute