للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّبِيُّ أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَّلَ فَقَالَ: «إنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ النَّصْرِ قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ.

الْغَنَائِمِ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ فَاتَ عَنْهُ الْمُعَوَّضُ وَإِلَّا لَا يَكُونُ عِوَضًا لِذَلِكَ الْمُعَوَّضِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا صَحِيحًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَجَبَ أَنْ يَقْسِمَ الْخُمُسَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَأَنْتُمْ تَقْسِمُونَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَهُوَ مُخَالَفَةٌ مِنْكُمْ لِلْحَدِيثِ الثَّابِتِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا إثْبَاتُ الْعِوَضِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي فَاتَ عَنْهُ الْمُعَوَّضُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِيَةُ جَعْلُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، وَلَكِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِفَاءِ الْخُمُسِ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَهُوَ فِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى تَغْيِيرِ الْعِوَضِ مِمَّنْ فَاتَ عَنْهُ الْمُعَوَّضُ فَقُلْنَا بِهِ، كَمَا تَمَسَّكَ الْخَصْمُ عَلَى تَكْرَارِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً» وَهُوَ لَا يَقُولُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ، وَلَكِنْ يَقُولُ لِلْحَدِيثِ دَلَالَتَانِ، فَإِحْدَاهُمَا بَاقِيَةٌ وَإِنْ انْتَفَتْ الْأُخْرَى. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مَا ذَكَرْتُمْ صَحِيحًا بِجَمِيعِ مُقَدِّمَاتِهِ لَمَا أَعْطَاهُمْ النَّبِيُّ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالنَّبِيُّ أَعْطَاهُمْ لِلنُّصْرَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَّلَ فَقَالَ: «إنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مَعِي هَكَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ») وَقِصَّتُهُ مَا رُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى بَيْنَ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكَ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَانْطَلَقْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ بِهِ فِيهِمْ، فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ : أَنَا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَأَشَارَ إلَى نُصْرَتِهِمْ» وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّصِّ) أَعْنِي قَوْلَهُ وَلِذِي الْقُرْبَى (قُرْبُ النُّصْرَةِ لَا قُرْبُ الْقَرَابَةِ) وَالْمُرَادُ بِالنُّصْرَةِ نُصْرَةُ الِاجْتِمَاعِ فِي الشُّعَبِ لَا نُصْرَةُ الْقِتَالِ، يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>