للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ، فَيُقَامُ الشَّرْطُ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ تَخْلِيصًا لَهُ، كَمَا يُقَامُ مُضِيُّ ثَلَاثِ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ

أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَبِيدِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَالذِّمِّيِّ يُسْلِمُ عَبْدُهُ. فَإِنْ قِيلَ: الذِّمِّيُّ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَجَازَ إجْبَارُهُ عَلَى بَيْعِ عَبْدِهِ الَّذِي أَسْلَمَ وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَانَ يُنَافِي إبْقَاءَهُمْ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِذْلَالًا لِلْمُسْلِمِ وَإِعْطَاءُ الْأَمَانِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ فَكَانَ الْأَمَانُ مُلْتَزِمًا تَرْكَ إذْلَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيَلْزَمُهُ. وَوَجْهُهُمَا ظَاهِرٌ. وَوَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ (أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ) عَلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَبِالْجَبْرِ عَلَى الْبَيْعِ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ مَعْصُومٌ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِمُقْتَضَى الْأَمَانِ، فَإِذَا أَدْخَلَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ زَالَتْ عِصْمَةُ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إجْبَارُهُ عَلَى الْعِتْقِ لِإِزَالَةِ عِصْمَةِ مَالِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ يُقِيمُ شَرْطَ زَوَالِ عِصْمَةِ الْمَالِ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مَقَامَ عِلَّةِ الْإِزَالَةِ وَهِيَ الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يُقَامُ مَقَامَ الْعِلَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا كَحَفْرِ الْبِئْرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. فَإِنْ قِيلَ: إقَامَةُ الشَّرْطِ هَاهُنَا مَقَامَ الْعِلَّةِ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْمُثْبِتِ لِلشَّيْءِ مُزِيلًا لَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى عَبْدٍ مُسْلِمٍ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ مَلَكُوهُ، فَكَانَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِ وَهَاهُنَا جَعَلْتُمُوهُ مُزِيلًا لَهُ، وَفِيهِ أَيْضًا نَقْضٌ لِقَاعِدَةٍ مُطَّرِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ هَذَا يُفِيدُ ابْتِدَاءَ الْمِلْكِ دُونَ بَقَائِهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ مُثْبِتٌ لِلْمِلْكِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا، وَالْمِلْكُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ثَابِتٌ بِالشِّرَاءِ دُونَ التَّبَايُنِ فَجُعِلَ مُزِيلًا فِي مَحَلٍّ خَاصٍّ تَخْلِيصًا لِلْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ. عَلَى أَنَّ مَا جَعَلْنَاهُ مُزِيلًا وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُزِيلِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَلَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُزِيلًا غَيْرَ مُزِيلٍ وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ، وَبَقَاءُ الشَّيْءِ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ إذَا لَمْ يَعْتَرِ الْبَقَاءَ مَا يُزِيلُ سُهُولَتَهُ وَهَاهُنَا بَقَاءُ الْمُسْلِمِ فِي يَدِ الْكَافِرِ صَعْبٌ يُزِيلُ سُهُولَتَهُ. وَقَوْلُهُ (كَمَا يُقَامُ مُضِيُّ ثَلَاثِ حِيَضٍ) تَمْثِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ فِي قِيَامِ الشَّرْطِ مَقَامَ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ انْقِضَاءَ ثَلَاثِ حِيَضٍ شَرْطُ الْبَيْنُونَةِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أُقِيمَ مَقَامَ عِلَّةِ الْبَيْنُونَةِ وَهِيَ عَرْضُ الْقَاضِي الْإِسْلَامَ وَتَفْرِيقُهُ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>