وَهِيَ ثَابِتَةٌ إجْمَاعًا، وَالْمُقَوَّمَةُ كَمَالٍ فِيهِ لِكَمَالِ الِامْتِنَاعِ بِهِ فَيَكُونُ وَصْفًا فِيهِ فَتَتَعَلَّقُ بِمَا عُلِّقَ بِهِ الْأَصْلُ.
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ الْآيَةَ. جَعَلَ التَّحْرِيرَ كُلَّ الْمُوجِبِ رُجُوعًا إلَى حَرْفِ الْفَاءِ أَوْ إلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَنْتَفِي غَيْرُهُ، وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤْثِمَةَ بِالْآدَمِيَّةِ
فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِقَتْلٍ يَنْزَجِرُ عَنْهُ نَظَرًا إلَى الْجِبِلَّةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الْمَيْلِ عَنْ الِاعْتِدَالِ (وَهِيَ ثَابِتَةٌ) فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (إجْمَاعًا) فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِعَدَمِ الْإِثْمِ عَلَى مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ (وَالْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ كَمَالٍ فِيهِ) أَيْ فِي أَصْلِ الْعِصْمَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْإِثْمُ وَالْمَالُ كَانَ ذَلِكَ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الَّذِي وَجَبَ فِيهِ الْإِثْمُ دُونَ الْمَالِ، فَكَانَتْ الْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ وَصْفًا زَائِدًا عَلَى الْعِصْمَةِ الَّتِي هِيَ الْمُؤَثِّمَةُ (فَتُعَلَّقُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْأَصْلُ) وَهُوَ الْعِصْمَةُ الْمُؤَثِّمَةُ وَالْعِصْمَةُ الْمُؤَثِّمَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْإِسْلَامِ، فَالْعِصْمَةُ الْمُقَوِّمَةُ كَذَلِكَ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا (وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵁ يُؤَوِّلُ هَذِهِ الْآيَةَ بِاَلَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ أَيْضًا.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَيَّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ الْمُخْتَصِّ بِالْقَتْلِ، فَجَعَلَ الْحُكْمَ فِي الْأَوَّلِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾ وَفِي الثَّانِي الْكَفَّارَةُ دُونَ الدِّيَةِ وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذُكِرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ فَإِنَّهُ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ اسْمٌ لِمَا يَكُونُ كَافِيًا، فَإِذَا كَانَ كَافِيًا كَانَ كُلُّ الْمُوجِبِ ضَرُورَةً. وَالثَّانِي أَنَّهُ كُلُّ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ غَيْرِهِ لِأَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ فِي مِثْلِهِ إخْرَاجُ الْعَبْدِ عَنْ عُهْدَةِ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَادِثَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيَانِ كُلِّ الْحُكْمِ بِلَا إخْلَالٍ، فَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ تَتِمَّةِ هَذَا الْحُكْمِ لَذَكَرَهُ فِي مَوْضِعِ الْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الْمُؤَثِّمَةَ بِالْآدَمِيَّةِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعِصْمَةِ الْمُقَوِّمَةِ الْمُوجِبَةِ لِلدِّيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute