وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي. أَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ، وَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا يَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ سُنَّةً
مُتَأَخِّرَةً عَنْ أَوَّلِ جُزْئِهِ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، فَلَوْ شُرِطَتْ النِّيَّةُ وَقْتَ الشُّرُوعِ وَهُوَ وَقْتُ انْفِجَارِ الصُّبْحِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا يُبْدَأُ بِهَا فِي وَقْتِ انْتِبَاهٍ وَيَقِظَةٍ فَلَا ضِيقَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَفْسَ النِّيَّةِ بِأَنَّهَا هِيَ الْإِرَادَةُ: أَيْ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي اللُّغَةِ الْعَزْمُ وَالْعَزْمُ هُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ، وَالْإِرَادَةُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَفْعُولِ بِوَقْتٍ وَحَالٍ دُونَ غَيْرِهِمَا، فَالنِّيَّةُ هُوَ أَنْ يَجْزِمَ بِتَخْصِيصِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَيُمَيِّزَهَا عَنْ فِعْلِ الْعَادَةِ إنْ كَانَتْ نَفْلًا، وَعَمَّا يُشَارِكُهَا فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهَا وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ إنْ كَانَتْ فَرْضًا.
وَقَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) قِيلَ: وَأَمَارَةُ عِلْمِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ عَلَى الْبَدِيهَةِ، فَإِنْ تَوَقَّفَ فِي الْجَوَابِ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ هَذَا يَنْزِعُ إلَى تَفْسِيرِ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ نِيَّتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ الْكُفْرَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَمَنْ نَوَى الْكُفْرَ كَفَرَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ وَالشَّرْطَ قَصْدُ الْفِعْلِ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يَلُوحُ. وَأَقُولُ: أَرَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْت آنِفًا وَهُوَ أَنْ يَجْزِمَ بِتَخْصِيصِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَيُمَيِّزُهَا إلَخْ،؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ وَالتَّمْيِيزَ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا يُتَصَوَّرُ.
وَقَوْلُهُ: (وَأَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْجَوَازِ لَكِنَّهُ حَسَنٌ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا) بَيَانُ كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute