وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِالرِّدَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ.
قَالَ: (وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَحَلَّتْ
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁) فَإِنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَهُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا، وَمَعْنَاهُ فَلَا قَتْلَ إذْ ذَاكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُلَازَمَةِ.
وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْتَلُ وَالرَّجُلُ يُقْتَلُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ تَبَعٌ لِعِصْمَةِ النَّفْسِ، وَبِالرِّدَّةِ لَا تَزُولُ عِصْمَةُ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تُقْتَلَ فَكَذَلِكَ عِصْمَةُ مَالِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ، فَلَمَّا كَانَتْ عِصْمَةُ مَالِهَا بَاقِيَةً بَعْدَ رِدَّتِهَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَسْبَيْنِ مِلْكَهَا فَيَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا (وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَرِثَهَا لِأَنَّ فِرَارَ الزَّوْجِ إنَّمَا كَانَ يَتَحَقَّقُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فِي مَرَضِهِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمِيرَاثُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ ثُمَّ هَاهُنَا لَا عِدَّةَ عَلَى الرَّجُلِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِثَهَا الزَّوْجُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (لِقَصْدِهَا إبْطَالَ حَقِّهِ) وَبَيَانُهُ أَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا بِمَرَضِهَا فَكَانَتْ بِالرِّدَّةِ قَاصِدَةً إبْطَالَ حَقِّهِ فَارَّةً عَنْ مِيرَاثِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهَا قَصْدُهَا كَمَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً حِينَ ارْتَدَّتْ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ فَلَمْ تَصِرْ مُشْرِفَةً عَلَى الْهَلَاكِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَلَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْفَارَّةِ الْمَرِيضَةِ فَلَا يَرِثُ زَوْجُهَا مِنْهَا
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) إنْ لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ (عَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَحَلَّتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute