للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّكْلِيفُ مُقَيَّدٌ بِالْوُسْعِ (وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَدَارَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ أَهْلَ قَبَاءِ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحَوُّلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ ، وَكَذَا إذَا تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى تَوَجَّهَ إلَيْهَا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْمُؤَدَّى قَبْلَهُ. قَالَ (وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَتَحَرَّى الْقِبْلَةَ وَصَلَّى إلَى الْمَشْرِقِ وَتَحَرَّى مَنْ خَلْفَهُ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جِهَةٍ وَكُلُّهُمْ خَلْفَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ أَجْزَأَهُمْ) لِوُجُودِ التَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ (وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ بِحَالِ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَإِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ) لِتَرْكِهِ فَرْضِ الْمَقَامِ

فَرْضُ التَّوَجُّهِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ فَكَانَ تَبَدُّلُ الرَّأْيِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ بُطْلَانُ مَا مَضَى كَمَا فِي النَّسْخِ الْحَقِيقِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَلَى بِالتَّوَجُّهِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا جِهَةَ لَهُ حَتَّى يُتَوَجَّهَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إذَا صَلَّى إلَى الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا تَحَرِّيهِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ) ظَاهِرٌ، وَقُبَاءُ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ مِنْ قُرَى الْمَدِينَةِ يُنَوَّنُ وَلَا يُنَوَّنُ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْمُؤَدَّى قَبْلَهُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ دَلِيلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ النَّسْخِ، وَأَثَرُ النَّسْخِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي.

وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ) ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْقَوْمِ الْمُقْتَدِينَ (بِحَالِ الْإِمَامِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا الْقَيْدُ وَهُوَ عِلْمُ الْمُقْتَدِينَ حَالَ كَوْنِهِمْ مَأْمُومِينَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي حَقِّ فَسَادِ صَلَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَوْ عَلِمَ حَالَ الْإِمَامِ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي وَقْتِ الِاقْتِدَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ: أَيْ مِنْ الْقَوْمِ الْمُقْتَدِينَ حَالَ إمَامِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا أَنَّ الْعِلْمَ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ كَالْعِلْمِ بَعْدَهُ فَلِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ تَحَرَّى الْقِبْلَةَ فَأَخْطَأَ فَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ عَلِمَ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ عَلِمَ الْأَوَّلَ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى الْخَطَأِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ، وَلَوْ عَلِمَ مِنْ أَوَّلِ صَلَاتِهِ أَنَّ الْإِمَامَ عَلَى خَطَأٍ وَدَخَلَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَجُزْ، فَكَذَا هَذَا. وَقَدْ اُسْتُشْكِلَتْ صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا جَهْرِيَّةٌ يَعْلَمُونَ حَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>