للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ كَانَ الْمُودِعُ وَالْمَدْيُونُ جَاحِدَيْنِ أَصْلًا أَوْ كَانَا جَاحِدَيْنِ الزَّوْجِيَّةَ وَالنَّسَبَ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ مُسْتَحِقِّي النَّفَقَةِ خَصْمًا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَا يَدَّعِيه لِلْغَائِبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ، لِأَنَّهَا كَمَا تَجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ فِي مَالٍ آخَرَ لِلْمَفْقُودِ.

قَالَ (وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرِّقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ مَنْ شَاءَتْ لِأَنَّ عُمَرَ هَكَذَا قَضَى فِي الَّذِي اسْتَهْوَاهُ الْجِنُّ بِالْمَدِينَةِ وَكَفَى

فِي الْقَبْضِ لِلْحِفْظِ وَلَا حِفْظَ فِي الْقَبْضِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ فَلَا يَكُونُ نَائِبًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي إيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ كَمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ وَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يُوفِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إذَا عَلِمَ بِوُجُوبِهِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ فَقَطْ. فَإِنْ قُلْت: إذَا دَفَعَ الْمُودَعُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى مَنْ فِي عِيَالِ الْمُودَعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِمْ لَا يُوجِبُهُ إذَا كَانَ لِلْحِفْظِ وَالدَّفْعُ لِلْإِنْفَاقِ دَفْعٌ لِلْإِتْلَافِ.

وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ لِلْغَائِبِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْخُصُومَةَ لَا تُسْمَعُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْمَالِكُ غَائِبٌ وَلَا نَائِبَ لَهُ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكَّلْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا حُكْمًا لِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ لِلْغَائِبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ سَبَبًا لِثُبُوتِ حَقِّهِ (وَهُوَ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا كَمَا تَجِبُ فِي هَذَا الْمَالِ تَجِبُ فِي مَالٍ آخَرَ لِلْمَفْقُودِ) وَلَا يَكُونُ الثَّابِتُ حُكْمًا إلَّا فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ (وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَقِصَّةُ مَنْ اسْتَهْوَتْهُ الْجِنُّ: أَيْ جَرَّتْهُ إلَى الْمَهَاوِي وَهِيَ الْمَهَالِكُ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: أَنَا لَقِيت الْمَفْقُودَ فَحَدَّثَنِي حَدِيثَهُ قَالَ: أَكَلْت خَزِيرًا فِي أَهْلِي فَخَرَجْت فَأَخَذَنِي نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَمَكَثْت فِيهِمْ، ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فِي عِتْقِي فَأَعْتَقُونِي ثُمَّ أَتَوْا بِي قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا: أَتَعْرِفُ الْخَلِيلَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَخَلُّوا عَنِّي، فَجِئْت فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ أَبَانَ امْرَأَتِي بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَحَاضَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، فَخَيَّرَنِي عُمَرُ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيَّ وَبَيْنَ الْمَهْرِ. قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا مِمَّا لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَسْمُوعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>