للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتِّحَادُ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَزُفَرَ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَتَفَاوَتُ

(وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالْمَالَ أَثْلَاثًا جَازَ) وَفِي الْقِيَاسِ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ الْعَمَلِ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِتَأْدِيَتِهِ إلَيْهِ، وَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَا يَأْخُذُهُ لَا يَأْخُذُهُ رِبْحًا لِأَنَّ الرِّبْحَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ فَكَانَ بَدَلَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يُتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ،

وَقَصَّارٍ اشْتَرَكَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَتَقَبَّلُهُ صَاحِبُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ صَنْعَتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِلشَّرِكَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّحْصِيلُ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالتَّوْكِيلِ لَا تَتَفَاوَتُ بِاتِّحَادِ الْعَمَلِ وَالْمَكَانِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا،

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ صَحِيحٌ مِمَّنْ يُحْسِنُ مُبَاشَرَةَ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَمِمَّنْ لَا يُحْسِنُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِيَدَيْهِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ بِأَعْوَانِهِ وَأُجَرَائِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَوْ عَمِلَ فِي دُكَّانٍ وَالْآخَرُ فِي دُكَّانٍ آخَرَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى أَصْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْخَلْطِ أَنَّ شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ لَا تَجُوزُ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ زُفَرَ مَعَ مَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي جَوَازِهَا إذَا كَانَتْ الْأَعْمَالُ مُتَّفِقَةً؟ أُجِيبَ بِأَنَّ زُفَرَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي الْخَلْطَ قَوْلَانِ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ حُكْمَ الرِّوَايَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا خَلْطُ الْمَالِ، وَذَكَرَ هُنَا حُكْمَ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ وَلَكِنْ أَطْلَقَ فِي اللَّفْظِ وَلَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيُرَى ظَاهِرُهُ مُتَنَاقِضًا.

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ) أَيْ إذَا شَرَطَا فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ وَلَمْ يَكُنْ مُفَاوَضَةٌ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ نِصْفَيْنِ وَالرِّبْحُ الْحَاصِلُ أَثْلَاثًا جَازَ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِقَدْرِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِتَأْدِيَتِهِ إلَيْهِ: أَيْ إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ فَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ فِي أَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا فِي الرِّبْحِ لَا يَجُوز إذَا كَانَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرَى فَيَجُوزُ التَّفَاوُتُ حِينَئِذٍ فِي الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَيْضًا.

وَقَوْلُهُ (وَلَكِنَّا نَقُولُ) بَيَانُ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ مَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَأْخُذُ رِبْحًا، لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ آجَرَهَا بِثَوْبٍ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ جَازَ لِمَا أَنَّ الرِّبْحَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَتَّحِدْ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ بَدَلَ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يَتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ، فَإِذَا رَضِيَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا تَقْوِيمًا لِلْعَمَلِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ إلَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِأَنَّ جِنْسَ الْمَالِ مُتَّفِقٌ وَهُوَ الثَّمَنُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِمَا دَرَاهِمَ كَانَتْ أَوْ دَنَانِيرَ وَالرِّبْحُ يَتَحَقَّقُ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّفِقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>