لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمَا بِالْأَخْذِ وَإِحْرَازِ الْمُبَاحِ، فَإِنْ أَخَذَاهُ مَعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْمَلْ الْآخَرُ شَيْئًا فَهُوَ لِلْعَامِلِ، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا وَأَعَانَهُ الْآخَرُ فِي عَمَلِهِ بِأَنْ قَلَعَهُ أَحَدُهُمَا وَجَمَعَهُ الْآخَرُ، أَوْ قَلَعَهُ وَجَمَعَهُ وَحَمَلَهُ الْآخَرُ فَلِلْمُعِينِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ ثَمَنِ ذَلِكَ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
قَوْلُهُ لِأَنَّ أَمْرَ الْمُوَكَّلِ بِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ) وَالْوَكِيلُ يَمْلِكُهُ دَلِيلَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ. تَقْرِيرُ الْأَوَّلِ الْمُدَّعِي أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي أَخْذِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِمَا وُكِّلَ بِهِ وَهُوَ أَخْذُ الْمُبَاحِ، وَأَمْرُ الْمُوَكِّلِ بِأَخْذِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ صَادَفَ غَيْرَ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. وَتَقْرِيرُ الثَّانِي التَّوْكِيلَ بِأَخْذِ الْمُبَاحِ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ، وَمَنْ تَمَلَّكَ شَيْئًا بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ لِلْوَكِيلِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَنْ يَمْلِكُ بِدُونِ أَمْرِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إثْبَاتُ الثَّابِتِ. وَنُوقِضَ الثَّانِي بِالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَبَعْدَهُ وَمَعَ ذَلِكَ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ الْمُوَكِّلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ يَمْلِكُهُ بِدُونِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِلَا عَقْدٍ، وَصُورَةُ النَّقْضِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالشِّرَاءِ. وَقَوْلُهُ (فَلِلْمُعَيَّنِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ نِصْفَ ثَمَنِ ذَلِكَ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ. قِيلَ تَقْدِيمُ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَا تَقْدِيمُ دَلِيلِ أَبِي يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute