للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ) أَمَّا الْكَلَامُ فِي الِافْتِتَاحِ فَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا.

وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْعَجْزِ يُكْتَفَى بِالْمَعْنَى كَالْإِيمَاءِ، بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الذِّكْرَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ﴾ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذِهِ اللُّغَةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسِيئًا

أَبِي حَنِيفَةَ فِي الِافْتِتَاحِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالْفَارِسِيَّةِ.

قَالَ (؛ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ لَهَا مِنْ الْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا) قَالَ فِي مَعْرِضِ تَفْضِيلِ لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِهِ «أَنَا عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ وَلِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ» (وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فَوَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ كَمَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ وَالْقُرْآنُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقِرَاءَتِهِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَلَّا نَتْرُكَ حَالَةَ الْعَجْزِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُكْتَفَى عِنْدَ الْعَجْزِ بِالْمَعْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْلِيفُ بِمَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ فَصَارَ كَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنَّهُ جَازَ لَهُ الْإِيمَاءُ (بِخِلَافِ التَّسْمِيَةِ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الذِّكْرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ وَهُوَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَمْ يُحْسِنْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَاللِّعَانُ وَالْعُقُودُ تَصِحُّ بِإِجْمَاعٍ، وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِرَاءَةِ كَقَوْلِهِمَا، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَكِنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَهُوَ أُمِّيٌّ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَلَوْ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ﴾ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ فِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَكُنْ الْقُرْآنُ بِنَظْمِهِ فِيهَا لَا مَحَالَةَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَاهُ فِيهَا، وَالْمَقْرُوءُ بِالْفَارِسِيَّةِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْجَمَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَعْنَاهُ فَيَكُونُ جَائِزًا إلْحَاقًا بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ مُحْكَمٌ لَا يُقْبَلُ التَّأْوِيلُ وقَوْله تَعَالَى ﴿لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ﴾ مُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُفَسِّرِينَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّبِيِّ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْمُحْكَمُ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ يُفْضِي إلَى التَّعْقِيدِ اللَّفْظِيِّ بِتَفْكِيكِ الضَّمَائِرِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إلَى آخِرِهِ، وَالْكَلَامُ الْمُعْجِزُ مَصُونٌ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا تَسَاوِيهِمَا فِي الْأَحْكَامِ لَكِنْ يَكُونَانِ مُتَعَارِضَيْنِ فَمِنْ أَيْنَ تَقُومُ الْحُجَّةُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ﴾ عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ الْمُنَاجَاةِ وَالِاشْتِغَالِ بِنَظْمٍ خَاصٍّ يَذْهَبُ بِالرِّقَّةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ.

وَقَوْلُهُ: (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الْقِرَاءَةِ لَمْ تَكُنْ فِي الزُّبُرِ بِهَذَا النَّظْمِ (جَازَتْ الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ) وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَجْزَ لَا يَجْعَلُ غَيْرَ الْقُرْآنِ قُرْآنًا. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسِيئًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>