للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا إذَا كِيلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ سَمَّى جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ الْآنَ فَلَهُ الْخِيَارُ، كَمَا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ

اسْتَلْزَمَ الْخِيَارَ لَاطَّرَدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ الرَّجُلَانِ عَبْدًا مُشْتَرَكًا بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ وَلَا يَجُوزُ فِي نَصِيبِهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ، فَهَاهُنَا تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ وَلَمْ يُوجَدْ الْخِيَارُ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يُخَيَّرَ الْمُشْتَرِي لِلُزُومِ انْصِرَافِ الْبَيْعِ إلَى الْوَاحِدِ لِعِلْمِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى قِنًّا مَعَ مُدَبَّرٍ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْقِنِّ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِيَارَ يُوجِبُ التَّفْرِيقَ وَالتَّفْرِيقُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ أَنْ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى الْكُلِّ وَالْمُشْتَرِي يَقْبَلُ الْبَعْضَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَاهُنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْكُلِّ حَتَّى يَكُونَ صَرْفُهُ إلَى الْبَعْضِ تَفْرِيقًا، وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ فِي وُقُوعِهِ عَلَى نَصِيبِهِ يَلْزَمُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا وَمُدَبَّرًا فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْصَرِفُ إلَى الْقِنِّ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْقِنِّ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ انْصِرَافَ الْبَيْعِ إلَى قَفِيزٍ وَاحِدٍ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَالْعَوَامُّ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِأَحْكَامِ الْمَسَائِلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا فَيَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا إنَّ الْكُلَّ مَبِيعٌ فَمِنْ أَيْنَ التَّفْرِيقُ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْكَثْرَةِ وَقَصْدُهُمَا أَيْضًا الْكَثْرَةُ وَمَا ثَمَّةَ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ عَنْ الصَّرْفِ إلَى الْجَمِيعِ، وَلِهَذَا لَوْ عُلِمَ الْمِقْدَارُ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَالصَّرْفُ إلَى الْأَقَلِّ بِاعْتِبَارِ تَعَذُّرِ الْكُلِّ لِلْجَهَالَةِ صَرْفُ الْعَقْدِ إلَى بَعْضِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ مِنْ الْمَبِيعِ وَقَصَدَهُ الْعَاقِدَانِ، وَلَيْسَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ إلَى ذَلِكَ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَحْثِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا كِيلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ سُمِّيَ جَمِيعُ قُفْزَانِهَا) يَعْنِي كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لَكِنْ لَا بِذَلِكَ التَّعْلِيلِ بَلْ بِمَا قَالَ لِأَنَّهُ عُلِمَ ذَلِكَ الْآنَ، فَرُبَّمَا كَانَ فِي حَدْسِهِ أَوْ ظَنِّهِ أَنَّ الصُّبْرَةَ تَأْتِي بِمِقْدَارِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَزَادَتْ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُقَابِلُهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الزَّائِدِ مَجَّانًا، وَفِي تَرْكِهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ نَقَصَتْ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَكَان آخَرَ وَهَلْ يُوَافِقُ أَوْ لَا فَصَارَ كَمَا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَهَكَذَا فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>