بِكُلِّ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ آخِذًا لِكُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ (وَإِنْ وَجَدَهَا زَائِدَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الذَّرْعِ تَلْزَمُهُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ فَكَانَ نَفْعًا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَيَتَخَيَّرُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ أَصْلًا، وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْأَقَلِّ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِالْمَشْرُوطِ.
مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْجَمَالِ وَالْكِتَابَةِ ثُمَّ لَوْ جَعَلْنَا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مُنْقَسِمَةً عَلَى الْإِفْرَادِ عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ ذِرَاعٍ لَزِمَ إلْغَاءُ جِهَةِ الْوَصْفِيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَقُلْنَا بِالْوَصْفِيَّةِ عِنْدَ تَرْكِ ذِكْرِهِ، وَبِالْأَصْلِيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ عَمَلًا بِالشَّبِيهَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُولٌ لِلْوَصْفِيَّةِ فَلَا يَكُونُ عِلَّةً لَهَا. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إذَا لَمْ يُفْرَدْ كُلُّ ذِرَاعٍ بِالذِّكْرِ كَانَ كَوْنُ كُلِّ ذِرَاعٍ مَبِيعًا ضِمْنًا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَصْفَ يَصِيرُ أَصْلًا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ، وَإِنْ وُجِدَتْ زَائِدَةً أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْجَمِيعَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ فُسِخَ، أَمَّا خِيَارُ الْفَسْخِ فَلِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الذَّرْعِ لَزِمَهُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فَكَانَ فِي مَعْنَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ فَيَتَخَيَّرُ، وَأَمَّا لُزُومُ الزِّيَادَةِ فَلِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ أَصْلًا مَشْرُوطًا، وَلَوْ أَخَذَهُ بِالْأَقَلِّ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِالْمَشْرُوطِ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّ كُلَّ ذِرَاعٍ إنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ فَسَدَ الْبَيْعُ إذَا وَجَدَهَا أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى أَثْوَابٍ عَشَرَةٍ وَقَدْ وُجِدَتْ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ تِسْعَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ الذِّرَاعَ لَوْ كَانَ أَصْلًا بِإِفْرَادِ ذِكْرِ الثَّمَنِ امْتَنَعَ دُخُولُ الزِّيَادَةِ فِي الْعَقْدِ، كَمَا إذَا بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ فَإِذَا هِيَ أَحَدَ عَشَرَ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِصَفْقَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَهَاهُنَا دَخَلَتْ فِي تِلْكَ الصَّفْقَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَثْوَابَ مُخْتَلِفَةٌ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ الْمَبِيعَةُ مَجْهُولَةً جَهَالَةً تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالذُّرْعَانُ مِنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الذِّرَاعَ الزَّائِدَ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَانَ بَائِعًا بَعْضَ الثَّوْبِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ فَحَكَمْنَا بِالدُّخُولِ تَحَرِّيًا فِي الْجَوَازِ وَالْقَفِيزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute