(إلَّا أَنَّهُ إذَا أَجَازَ فِي الثَّلَاثِ) جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِزُفَرِ، هُوَ يَقُولُ: إنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَلَهُ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَيَعُودُ جَائِزًا كَمَا إذَا بَاعَ بِالرَّقْمِ وَأَعْلَمَهُ فِي الْمَجْلِسِ.
وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْكَسْبِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ فِي كُلِّ مُدَّةٍ فَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَجَازَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا، وَمَعْنَاهُ: لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا، لَكِنْ لَوْ ذُكِرَ أَكْثَرُ مِنْهَا وَأَجَازَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ جَازَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِالتَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَتَأَمَّلْ، وَزُفَرُ يَقُولُ: إنَّ هَذَا عَقْدٌ قَدْ انْعَقَدَ فَاسِدًا وَالْفَاسِدُ لَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى وَفْقِ الثُّبُوتِ، فَكَانَ كَمَنْ بَاعَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ أَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ وَرِطْلِ خَمْرٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ وَأَبْطَلَ الْخَمْرَ؛ وَكَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَحْتَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ الرَّابِعَةَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ ﵏ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذَا الْعَقْدِ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ثُمَّ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِحَذْفِ خِيَارِ الشَّرْطِ قَبْلَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَذَهَبَ أَهْلُ خُرَاسَانَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِذَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَسَدَ، فَقَوْلُهُ إنَّهُ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute