للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْفَسْخَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَلَمَّا مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ. وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَاسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ مِمَّا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ رَجُلٍ وَالْمُوَكَّلُ مِنْ غَيْرِهِ مَعًا؛ فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُوَكَّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُهُمَا.

وَالْأَقْوَى: يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِقْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَ النَّائِبِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ تَصَرُّفِ الْمَنُوبِ، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِهِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَيْهِ. وَاسْتَشْكَلَ بِمَا إذَا وَكَّلَ رَجُلًا آخَرَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ مَعًا فَإِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ تَنَافِي الْفِعْلَيْنِ كَالْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَا فَالْمَطْلُوبُ حَاصِلٌ بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ.

(وَوَجْهُ) الْقَوْلِ (الثَّانِي أَنَّ الْفَسْخَ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ) كَمَا لَوْ أَجَازَ وَالْمَبِيعُ هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ (وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ) فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا انْفَسَخَ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، وَلَا خَفَاءَ فِي قُوَّةِ مَا يَطْرَأُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُزِيلُهُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَنُوقِضَ بِمَا إذَا لَاقَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ غَيْرَهُ فَتَنَاقَضَا الْمَبِيعَ ثُمَّ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِ الْبَائِعِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ فَإِنَّ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، وَالْقِيمَةَ إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ فَكَانَ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْفَسْخِ وَهُوَ إجَازَةٌ لِلْمَفْسُوخِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ الْإِجَازَةَ لَا تَلْحَقُ الْمَفْسُوخَ وَمَا ذَكَرْتُمْ فَسْخٌ لَا إجَازَةٌ (وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ) فِي الْمَبْسُوطِ. قِيلَ وَالثَّانِي أَصَحُّ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ وَلَمَّا مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ رَجَّحْنَا بِحَالِ التَّصَرُّفِ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ: يَعْنِي لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ مِنْ وَجْهٍ: الْعَاقِدُ مِنْ حَيْثُ التَّمَلُّكُ وَالْأَجْنَبِيُّ مِنْ حَيْثُ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ لَمْ يَتَرَجَّحْ الْأَمْرُ مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفُ فَرَجَّحْنَا مِنْ حَيْثُ حَالُ التَّصَرُّفِ. لَا يُقَالُ: الْفَسْخُ وَالْإِجَازَةُ مِنْ تَوَابِعِ الْخِيَارِ فَكَانَ الْقِيَاسُ تَرْجِيحَ تَصَرُّفِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ جِهَةَ تَمَلُّكِ الْعَقْدِ عَارَضَتْهُ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَاسْتُخْرِجَ ذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِمَا لَيْسَ بِمَنْقُولٍ عَنْهُمَا (وَ) إنَّمَا (اُسْتُخْرِجَ بِمَا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ مِنْ أَحَدٍ وَالْمُوَكِّلُ مِنْ غَيْرِهِ مَعًا، فَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ تَصَرُّفَهُمَا) وَيُجْعَلُ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ وَيُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ.

وَوَجْهُ الِاسْتِخْرَاجِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْفَاسِخِ أَقْوَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَجِّحْ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ كَمَا رَجَّحَهُ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا لَمْ يُرَجِّحْ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمُوَكِّلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>