قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا)؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ مَا ثَبَتَ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ وَذَلِكَ بِالِاسْتِدَامَةِ فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجِوَارَ كَانَ ثَابِتًا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً.
عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، وَذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَعَ خِيَارِ الْمُشْتَرِي إنَّمَا جُوِّزَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ
بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ
إلَى اخْتِيَارِ مَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَقَعُ الشِّرَاءُ لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي جَانِبِ الْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَى اخْتِيَارِ الْأَرْفَقِ، إذْ الْمَبِيعُ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ، فَيُرَدُّ جَانِبُ الْبَائِعِ إلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ لَا فِي بُيُوعِ الْأَصْلِ وَلَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَتَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَبِيعَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ وَالْآخَرَ أَمَانَةٌ، وَالتَّرْكِيبُ الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ حَقِيقَةً: وَمَنْ اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ نُسَخُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، فَفِي بَعْضِهَا اشْتَرَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْذِرَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا ثَوْبَيْنِ وَهُوَ مَجَازٌ، وَأَثْبَتَهَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ فِي وَجْهِ الْمَجَازِ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا قَالَ: اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ أَضَافَ الْخُرُوجَ إلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِهِمَا.
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ) رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ (فَبِيعَتْ دَارٌ أُخْرَى بِجَانِبِهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَذَلِكَ الْأَخْذُ رِضًا) يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّ أَخْذَهُ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَطَلَبُهُ الشُّفْعَةَ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْمِلْكِ، لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ، وَالْجِوَارُ يَثْبُتُ بِاسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ، وَاسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ تَقْتَضِي الْمِلْكَ وَلَا مِلْكَ مَعَ الْخِيَارِ فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَكَانَ الْجِوَارُ ثَابِتًا عِنْدَ بَيْعِ الدَّارِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُوجَبُ الشُّفْعَةِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِهِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّ الْمَبِيعَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَيَسْقُطَ بِذَلِكَ خِيَارُهُ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجَارِ الدَّخِيلِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَدْفَعُ ضَرَرَ الْجَارِ فِي دَارٍ يُرِيدُ رَدَّهَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: أَمَّا وُجُوبُ الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي فَوَاضِحٌ عَلَى مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ صَارَ أَحَقَّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَذَلِكَ يَكْفِيهِ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ بِهَا كَالْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ وَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ دَارِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute