للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ، وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا.

وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْحُرِّ بَاطِلٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ.

وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ قُوبِلَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ قُوبِلَ بِعَيْنٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَكَذَا الْخِنْزِيرُ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَتَرْكِ إعْزَازِهِ، وَفِي تَمَلُّكِهِ بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى اشْتَرَاهُمَا بِالدَّرَاهِمِ فَالدَّرَاهِمُ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ؛ لِكَوْنِهَا وَسِيلَةً لِمَا أَنَّهَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْخَمْرُ فَسَقَطَ التَّقَوُّمُ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الثَّوْبَ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلثَّوْبِ إنَّمَا يَقْصِدُ تَمَلُّكَ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ. وَفِيهِ إعْزَازٌ لِلثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ فَبَقِيَ ذِكْرُ الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي تَمَلُّكِ الثَّوْبِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِ الْخَمْرِ حَتَّى فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ دُونَ الْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ شِرَاءُ الثَّوْبِ بِالْخَمْرِ لِكَوْنِهِ مُقَايَضَةً.

مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ شَيْئًا يَمْلِكُهُ فَقَبْضُ الثَّمَنِ مِنْهُ يَكُونُ إذْنًا بِالْقَبْضِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَفَادَ ذَلِكَ الْمِلْكَ لَجَازَ لِلْمُشْتَرِي وَطْءُ جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا وَجَازَ أَخْذُ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَيَحِلُّ أَكْلُ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ لَهُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ مَا لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا وَأَكْلُهُ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ فِيمَا ذُكِرَتْ لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْوَطْءِ وَالْأَكْلِ إعْرَاضًا عَنْ الرَّدِّ، وَفِي الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ تَقْرِيرَ الْفَسَادِ وَتَأْكِيدَهُ فَلَا يَجُوزُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي مَبْنَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمُشْتَرَى بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ: فَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيطِ الْبَائِعِ عَلَى ذَلِكَ لَا عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ، وَاسْتَدَلُّوا بِالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. قَالُوا لَوْ مَلَكَ الْعَيْنَ لَمَلَكَ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ وَلَمْ يَمْلِكْهَا. وَذَهَبَ مَشَايِخُ بَلْخِي إلَى أَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ بِنَاءٌ عَلَى مِلْكِ الْعَيْنِ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا إذَا اشْتَرَى دَارًا بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَقَبَضَهَا فَبِيعَ بِجَنْبِهَا دَارٌ أُخْرَى فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ لِنَفْسِهِ. وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ عَبْدَ يَتِيمٍ بَيْعًا فَاسِدًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ، وَلَوْ كَانَ عِتْقُهُ عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيطِ لَمَا جَازَ لِأَنَّ عِتْقَهُمَا أَوْ تَسْلِيطَهُمَا عَلَى الْعِتْقِ لَا يَجُوزُ فَعُلِمَ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَيْنَ. وَأَجَابُوا عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَإِذَا كَانَ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ كَانَ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِيهِ: أَيْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَابَ (قَوْلُهُ وَكَذَا بَيْعُ الْمَيْتَةِ) يَعْنِي كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِلٌ فَكَذَا بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالًا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ بِالْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْخَمْرِ وَلَا مَا يُقَابِلُهَا. وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْخَمْرِ وَيُفِيدُ مِلْكَ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْبَدَلِ بِالْقَبْضِ.

وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ وَكَذَا الْخِنْزِيرُ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ: أَيْ غَيْرُ مُعَزَّزٍ يُقَابِلُهُ قِيمَةٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهِ وَتَرْكِ إعْزَازِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>