وَلَهُ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَةٍ فِي مَحِلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ، وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فَصَارَ كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِي حُكْمِ عَقْدِهِ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الدُّخُولِ فِيمَا ضَمَّهُ إلَيْهِ، كَذَا هَذَا.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ أَنْ يُصْطَادَ) لِأَنَّهُ بَاعَ مَالًا يَمْلِكُهُ (وَلَا فِي حَظِيرَةٍ إذَا كَانَ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِصَيْدٍ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَمَعْنَاهُ إذَا أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِيهَا لَوْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ، إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهَا الْمَدْخَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَدَارَ هُوَ الْقَبْضُ لَا الدُّخُولُ فِي الْعَقْدِ وَتَمَلُّكُ الْمَضْمُومِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْأَمْوَالِ إلْحَاقًا بِحَقِيقَتِهِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ، وَهُمَا: أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَلَا تُلْحَقُ الْجِهَةُ بِهَا فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ الْبَيْعِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَائِدَةَ الدُّخُولِ لَا تَنْحَصِرُ فِي نَفْسِ الدَّاخِلِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً إلَى غَيْرِهِ كَثُبُوتِ حُكْمِ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَبْعَدٍ بَلْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا مَعَ عَبْدِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي عَبْدَ الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي حَقِّ عَبْدِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ هَذَا.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَصْطَادَهُ) بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ الِاصْطِيَادِ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ فَلَا يَجُوزُ، وَإِذَا اصْطَادَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الْحَظِيرَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً لَا يُمْكِنُ الْأَخْذُ مِنْهَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ وَاحْتِيَالٍ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً جَازَ لِأَنَّهُ بَاعَ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ رَآهَا فِي الْمَاءِ لِأَنَّ السَّمَكَ يَتَفَاوَتُ خَارِجَ الْمَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ جَازَ: يَعْنِي الْحَظِيرَةَ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَمْ يُسَدَّ عَلَيْهَا الْمَدْخَلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَأْخُوذِ الْمُلْقَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute