قَالَ (وَبَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ مَجْذُوذٍ مِثْلِ كَيْلِهِ خَرْصًا) «لِأَنَّهُ ﵊ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» فَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا؛ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا تَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا إذَا كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَا الْعِنَبُ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ «لِأَنَّهُ ﵊ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ». قُلْنَا: الْعَرِيَّةُ: الْعَطِيَّةُ لُغَةً، وَتَأْوِيلُهُ أَنْ يَبِيعَ الْمُعْرَى لَهُ مَا عَلَى
شَيْئًا.
قَالَ (وَبَيْعُ الْمُزَابَنَةِ) الرَّفْعُ فِيهِ وَالْجَرُّ وَالرَّفْعُ فِيمَا تَقَدَّمَ جَائِزٌ، وَالْمُزَابَنَةُ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مَجْذُوذَةٍ مِثْلُ كَيْلِ مَا عَلَى النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرِ حَرْزًا وَظَنًّا لَا حَقِيقِيًّا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلُهُ كَيْلًا حَقِيقِيًّا لَمْ يَبْقَ مَا عَلَى الرَّأْسِ ثَمَرًا بَلْ تَمْرًا مَجْذُوذًا كَاَلَّذِي يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَجْذُوذِ لَا يَجُوزُ " لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلِ كَيْلِهَا خَرْصًا، وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ خَرْصًا لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الرِّبَا الْمُلْحَقَةَ بِالْحَقِيقَةِ فِي التَّحْرِيمِ، كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ خَرْصًا، وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَلَهُ فِي مِقْدَارِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَوْلَانِ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا، وَفَسَّرَهَا بِأَنْ يُبَاعَ الثَّمَرُ الَّذِي عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ بِخَرْصِهَا عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ الثَّمَرَةِ. قُلْنَا بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: سَلَّمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا فَإِنَّ فِي الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةً لَا يُمْكِنُ مَنْعُهَا، لَكِنْ لَيْسَ حَقِيقَةُ مَعْنَاهَا مَا ذَكَرْتُمْ بَلْ مَعْنَاهَا الْعَطِيَّةُ لُغَةً. وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ مِنْ بُسْتَانِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ يَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُ الْمُعْرَى لَهُ فِي بُسْتَانِهِ كُلَّ يَوْمٍ لِكَوْنِ أَهْلِهِ فِي الْبُسْتَانِ وَلَا يَرْضَى مِنْ نَفْسِهِ خُلْفَ الْوَعْدِ وَالرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَيُعْطِيهِ مَكَانَ ذَلِكَ تَمْرًا مَجْذُوذًا بِالْخَرْصِ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ مُخْلِفًا لِوَعْدِهِ، وَبِهِ نَقُولُ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمْ يَصِرْ مِلْكًا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ، فَمَا يُعْطِيهِ مِنْ التَّمْرِ لَا يَكُونُ عِوَضًا بَلْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً، وَيُسَمَّى بَيْعًا مَجَازًا لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ يُعْطِيهِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ خُلْفِ الْوَعْدِ، وَاتَّفَقَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute