وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى إحْدَاهُمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحِلٍّ مَعْلُومٍ وَهُوَ الطَّرِيقُ، أَمَّا الْمَسِيلُ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَعَلَى الْأَرْضِ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحِلِّهِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ التَّعَلِّي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى وَهُوَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ، أَمَّا حَقُّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ.
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ) فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ كَبْشًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ حَيْثُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ.
عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَلِيلِ يُسَاوِي صَاحِبَ الْكَثِيرِ فِي الِانْتِفَاعِ، فَقَدْ جَعَلَ لِحَقِّ الْمُرُورِ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ: لَا يَجُوزُ، وَصَحَّحَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ وَبَيْعُ الْحُقُوقِ بِالِانْفِرَادِ لَا يَجُوزُ. وَبَيْعُ التَّسْيِيلِ وَهُوَ حَقُّ الْمَسِيلِ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا مُحْتَمَلُهُمَا الْآخَرُ.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُحْتَمَلَ الْأَوَّلَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَإِنْ كَانَ الْمُحْتَمَلَ الثَّانِيَ فَعَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ لِشُمُولِ عَدَمِ الْجَوَازِ.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ لِتَعَلُّقِهِ بِمَحَلٍّ مَعْلُومٍ إمَّا بِالْبَيَانِ أَوْ التَّقْدِيرِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ الطَّرِيقُ، وَأَمَّا الْمَسِيلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى السَّطْحِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ حَقُّ التَّعَلِّي وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مُتَعَلِّقًا بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَجْهُولًا لِاخْتِلَافِ التَّسْيِيلِ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ، وَالثَّانِي مَجْهُولٌ فَعَادَ إلَى الْفَرْقِ فِي الْمُحْتَمَلِ الْأَوَّلِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ: أَعْنِي رِوَايَةَ ابْنِ سِمَاعَةَ فِي جَوَازِ بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ تُلْجِئُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعَلِّي، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إنَّ حَقَّ التَّعَلِّي تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى وَهُوَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ وَعَقْدَ الْبَيْعِ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا، أَمَّا حَقُّ الْمُرُورِ فَيَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ وَالْبَيْعُ يَرِدُ عَلَيْهَا، فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْبَيْعِ إمَّا الْأَعْيَانُ الَّتِي هِيَ أَمْوَالٌ أَوْ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ الدَّارِ مَثَلًا حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى هُوَ مَالٌ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
قَالَ (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً فَإِذَا هُوَ غُلَامٌ) اعْلَمْ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى قَدْ يَكُونَانِ جِنْسَيْنِ لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute