لَهُمَا أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْوَكِيلُ بِأَهْلِيَّتِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْآمِرِ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ كَمَا إذَا وَرِثَهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ خَمْرًا يُخَلِّلُهَا وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ.
فَلَا يُوَلِّي غَيْرَهُ كَتَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ مَجُوسِيًّا بِتَزْوِيجِ مَجُوسِيَّةٍ. وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَا التَّوْكِيلُ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْبَابِ أَهْلِيَّتَانِ: أَهْلِيَّةُ الْوَكِيلِ وَأَهْلِيَّةُ الْمُوَكِّلِ، فَالْأُولَى أَهْلِيَّةُ الْعَاقِدِ وَهِيَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَلِلنَّصْرَانِيِّ ذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ أَهْلِيَّةُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ وَلِلْمُوَكِّلِ ذَلِكَ حُكْمًا لِلْعَقْدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ انْفِكَاكُ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ، أَلَا تَرَى إلَى صِحَّةِ ثُبُوتِ مِلْكِ الْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ إرْثًا إذَا أَسْلَمَ مُوَرِّثُهُ النَّصْرَانِيُّ وَمَاتَ عَنْ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ. لَا يُقَالُ: الْوَارِثَةُ أَمْرٌ جَبْرِيٌّ وَالتَّوْكِيلُ اخْتِيَارِيٌّ فَأَنَّى يَتَشَابَهَانِ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ: أَعْنِي الْمِلْكَ لِلْمُوَكِّلِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ: أَعْنِي مُبَاشَرَةَ الْوَكِيلِ جَبْرِيٌّ كَذَلِكَ تَثْبُتُ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ كَمَا فِي الْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ النَّصْرَانِيَّ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِمَوْلَاهُ الْمُسْلِمِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْأَهْلِيَّتَانِ لَمْ يَمْتَنِعْ الْعَقْدُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ جَالِبٌ لَا سَالِبٌ، ثُمَّ الْمُوَكَّلُ بِهِ إنْ كَانَ خَمْرًا خَلَّلَهَا، وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا سَيَّبَهُ، لَكِنْ قَالُوا: هَذِهِ الْوَكَالَةُ مَكْرُوهَةٌ أَشَدَّ كَرَاهَةٍ، وَقَوْلُهُمَا الْمُوَكِّلُ لَا يَلِيهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرَهُ مَنْقُوضٌ بِالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ إذَا وَكَّلَ آخَرَ بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَا يَلِي الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَبِالْقَاضِي إذَا أَمَرَ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ خَلَّفَهُ ذِمِّيٌّ آخَرُ وَهُوَ لَا يَلِي التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ، وَبِالذِّمِّيِّ إذَا أَوْصَى لِمُسْلِمٍ وَقَدْ تَرَكَهُمَا فَإِنَّ الْوَصِيَّ يُوَكِّلُ ذِمِّيًّا بِالْبَيْعِ وَالْقِسْمَةِ وَهُوَ لَا يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَالْقِيَاسُ عَلَى تَزْوِيجِ الْمَجُوسِيِّ مَدْفُوعٌ، فَإِنَّ حُقُوقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute