لِأَنَّهُ انْعَدَمَتْ الْمُطَالَبَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، وَلَا إلَى الْمُنَازَعَةِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخْيِيرُ لَا الْإِلْزَامُ حَتْمًا، وَالشَّرْطُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ ﵀ وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُنَا فِي الْعِتْقِ وَيَقِيسُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَفْسِيرُ الْمَبِيعِ نَسَمَةً أَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ،
أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ أَمَةً عَلَى أَنْ يَسْتَوْلِدَهَا الْمُشْتَرِي فَاسِدٌ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَفِيهَا مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ الْإِطْلَاقُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّخَيُّرُ لَا الْإِلْزَامُ، وَالشَّرْطُ يَقْتَضِي الْإِلْزَامَ حَتْمًا، وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرَةٌ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ أَوْلَى بِالْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ فَعَمَلُنَا بِهِمَا، وَقُلْنَا إنَّهُ فَاسِدٌ وَالْفَاسِدُ مَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَى وُجُودِ رُكْنِ الْعَقْدِ كَانَ مَشْرُوعًا، وَبِالنَّظَرِ إلَى عُرُوضِ الشَّرْطِ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فَكَانَ فَاسِدًا. وَلَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي قَوْلٍ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُهُ وَيَقِيسُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَبْدِ نَسَمَةً، وَفَسَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَفَسَّرَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنْ يُبَاعَ مِمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ لَا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ صَحَّ قَوْلُهُ يَقِيسُهُ لِأَنَّهُمَا غَيْرَانِ فَيَصِحُّ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إنْ ظَهَرَ جَامِعٌ، وَإِنْ كَانَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقِيسُهُ بِيَلْحَقُهُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. وَبَيَانُ إلْحَاقِهِ بِالدَّلَالَةِ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ نَسَمَةً عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ ثَبَتَ بِحَدِيثِ «بَرِيرَةَ، إذْ جَاءَتْ إلَى عَائِشَةَ ﵂ تَسْتَعِينُهَا فِي الْمُكَاتَبَةِ فَقَالَتْ: إنْ شِئْت عَدَدْتهَا لِأَهْلِك وَأَعْتَقْتُك، فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ فَاشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا. وَإِنَّمَا اشْتَرَتْهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»، وَغَيْرُهَا فِي مَعْنَاهَا فِي هَذَا الشَّرْطِ فَأُلْحِقَ بِهِ دَلَالَةً
وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الدَّلَالَةِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قِيَاسٌ جَلِيٌّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْمَعْقُولِ. فَالْحَدِيثُ «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ». رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ. وَالْمَعْقُولُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ أَنَّ تَفْسِيرَ النَّسَمَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ فِي الْعَقْدِ. وَعَائِشَةُ ﵂ اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ مُطْلَقًا وَوَعَدَتْ لَهَا أَنْ تُعْتِقَهَا لِتَرْضَى بِذَلِكَ، فَإِنَّ بَيْعَ الْمُكَاتَبَةِ لَا يَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهَا. النَّسَمَةُ مِنْ نَسِيمِ الرِّيحِ، وَسُمِّيَتْ بِهَا النَّفْسُ، وَانْتِصَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute