الْهِبَةِ، وَالْمَيْتَةِ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ وَشَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ وَهِيَ تَصْلُحُ ثَمَنًا لَا مُثَمَّنًا. ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، إلَّا أَنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ دَلَالَةً كَمَا إذَا قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَسْلِيطٌ مِنْهُ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ بِحُكْمِ التَّسْلِيطِ السَّابِقِ، وَكَذَا الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ
فَصَارَ كَأَنَّ إيجَابَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ازْدَادَ قُوَّةً فِي نَفْسِهِ فَهُوَ كَالْهِبَةِ فِي احْتِيَاجِهِ إلَى مَا يُعَضِّدُهُ الْعَقْدُ مِنْ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الْخَصْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى الْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ لِفَوَاتِ رُكْنِهِ، وَلَوْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ فَقَدْ خَرَّجْنَاهُ: يَعْنِي فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَأَرَادَ بِهِ مَا قَالَهُ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ إنْ كَانَ بِالدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَفِي شَيْءٍ آخَرَ: أَيْ دَلِيلٍ آخَرَ سِوَى مَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ الْوَاقِعَ عَلَى الْخَمْرِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ لَا عَيْنَ الْخَمْرِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْخَمْرِ وَتَسَلُّمِهَا، فَلَوْ قُلْنَا بِانْعِقَادِ الْبَيْعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لَجَعَلْنَا الْقِيمَةَ مُثَمَّنًا لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ يُقَابِلُهُ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ فِي الْبَيْعِ هُوَ مُثَمَّنٌ لِتَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةً وَشَرْعًا. وَلَا عَهْدَ لَنَا بِذَلِكَ فِي صُورَةِ مَنْ صَوَّرَ الْبِيَاعَاتِ فَالْقَوْلُ بِهِ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ فَحَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ) إشَارَةٌ إلَى صِحَّةِ الْإِذْنِ بِالدَّلَالَةِ، كَمَا إذَا قَبَضَهُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ بِحَضْرَتِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَمْ يَنْهَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَسَمَّاهُ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ فَقَالَ: وَمَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَهُوَ كَمَا لَمْ يُقْبَضْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute