وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ)
لَمَّا فَرَغَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْمَبِيعُ مِنْ الْبُيُوعِ اللَّازِمَةِ وَغَيْرِ اللَّازِمَةِ وَمَا يَرْفَعُهُمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالثَّمَنِ مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ وَوَعَدْنَا تَفْصِيلَهَا وَهَذَا مَوْضِعُهُ. وَعَرَّفَ الْمُرَابَحَةَ بِنَقْلِ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ.
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ وَلَا مُنْعَكِسٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى دَنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّنَانِيرِ مُرَابَحَةً مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَغْصُوبَ الْآبِقَ إذَا عَادَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْغَاصِبِ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ الْغَاصِبِ مُرَابَحَةً، وَالتَّعْرِيفُ لَيْسَ بِصَادِقٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا عَقْدَ فِيهِ، وَبِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى إبْهَامٍ يَجِبُ عَنْهُ خُلُوُّ التَّعْرِيفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ عَيْنُ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ مِثْلُهُ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ عَيْنَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ صَارَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ عَيْنُهُ مُرَادًا فِي الْبَيْعِ الثَّانِي، وَلَا إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ الْمِثْلُ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ أَوْ الْمِقْدَارُ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِمَا ذُكِرَ فِي الْإِيضَاحِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ لَهُ مِثْلٌ جَازَ سَوَاءٌ جَعَلَ الرِّبْحَ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ الدَّرَاهِمَ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ مِنْ الدَّنَانِيرِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ إذَا كَانَ مَعْلُومًا يَجُوزُ بِهِ الشِّرَاءُ لِأَنَّ الْكُلَّ ثَمَنٌ. وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنْ لَا يُضَمَّ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةُ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ وَالطَّرَّازِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَمَنٍ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمُرَابَحَةِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَ ثَوْبًا بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَقَوَّمَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ جَازَ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمَبْسُوطِ. قِيلَ: فَعَلَى هَذَا الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِنْ السِّلَعِ بِمَا قَامَ عِنْدَهُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِدْقَ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ النَّقْلُ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْدِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً، وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ عَادَ ذَلِكَ عَقْدًا حَتَّى لَا يَقْدِرَ الْمَالِكُ عَلَى رَدِّ الْقِيمَةِ وَأَخْذِ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِ هُوَ الْمِثْلُ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْعَادَةُ جَرَتْ بِإِلْحَاقِ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ قِيمَتِهِ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ عَادَةً، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ نَفْسُهُ مُرَادًا يُجْعَلُ مَجَازًا عَمَّا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ خِيَانَةٍ فَتَدْخُلُ فِيهِ مَسْأَلَةُ الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالثَّمَنِ لِكَوْنِهِ الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ فِي الْمُرَابَحَاتِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ لِلْعَادَةِ (قَوْلُهُ وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا كَانَ يَرِدُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ مِنْ حَيْثُ لَفْظُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute