أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إبْرَاءَهُ مُطْلَقًا فَكَذَا مُؤَقَّتًا، وَلَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ إنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ (وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا)؛ لِمَا ذَكَرْنَا (إلَّا الْقَرْضَ) فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَصِلَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ حَتَّى يَصِحَّ بِلَفْظَةِ الْإِعَارَةِ، وَلَا يَمْلِكُهُ مِنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَمَا فِي الْإِعَارَةِ، إذْ لَا جَبْرَ فِي التَّبَرُّعِ
ثُمَّ أَجَّلَهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَحَّ وَصَارَ مُؤَجَّلًا.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَلْحَقُ الْأَجَلُ بِالْعَقْدِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فَلَا يَتَأَجَّلُ كَالْقَرْضِ. وَلَنَا أَنَّ الثَّمَنَ حَقُّهُ فَجَازَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالتَّأْجِيلِ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ إثْبَاتُ بَرَاءَةٍ مُؤَقَّتَةٍ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْبَرَاءَةَ الْمُطْلَقَةَ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ الثَّمَنِ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْبَرَاءَةَ الْمُؤَقَّتَةَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً أَوْ يَسِيرَةً، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَمَا إذَا أَجَّلَهُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ وَنُزُولِ الْمَطَرِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ جَازَ كَالْكَفَالَةِ، لِأَنَّ الْأَجَلَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَصَحَّ مَعَ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي أَوَاخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ (وَكُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ إذَا أَجَّلَهُ صَاحِبُهُ صَارَ مُؤَجَّلًا) كُلُّ دَيْنٍ حَالٍّ بِتَأْجِيلِ صَاحِبِهِ يَصِيرُ مُؤَجَّلًا (لِمَا ذَكَرْنَا) أَنَّهُ حَقُّهُ، لَكِنَّ الْقَرْضَ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْقَرْضَ فِي الِابْتِدَاءِ صِلَةٌ وَإِعَارَةٌ فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ، وَلِهَذَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ (وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالْوَصِيِّ وَالصَّبِيِّ، وَمُعَاوَضَةٌ فِي الِانْتِهَاءِ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِالْقَرْضِ رَدُّ الْمِثْلِ لَا رَدُّ الْعَيْنِ (فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَصِحُّ) أَيْ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ (كَمَا فِي الْإِعَارَةِ إذْ لَا جَبْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute