(وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: يَجُوز لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالسِّنِّ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ، وَالتَّفَاوُتُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرٌ فَأَشْبَهَ الثِّيَابَ. وَلَنَا أَنَّهُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَ يَبْقَى فِيهِ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فِي الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ،
السَّلَمُ فِي الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ، وَالسَّلَمُ فِي الْأَثْمَانِ لَا يَجُوزُ.
وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ثَابِتَةٌ بِاصْطِلَاحِهِمَا لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَلَهُمَا إبْطَالُهُمَا بِاصْطِلَاحِهِمَا، فَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ صَارَتْ مُثَمَّنًا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَجَازَ السَّلَمُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الرِّبَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْفُلُوسِ قَوْلُ الْكُلِّ، وَهَذَا الْقَائِلُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُثَمَّنًا مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ السَّلَمِ، فَإِقْدَامُهُمَا عَلَى السَّلَمِ تَضَمَّنَ إبْطَالَ الِاصْطِلَاحِ فِي حَقِّهِمَا فَعَادَ مُثَمَّنًا، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الْبَيْعِ كَوْنُ الْمَبِيعِ مُثَمَّنًا فَإِنَّ بَيْعَ الْأَثْمَانِ بَعْضِهِمَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ، فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْبَيْعِ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ الِاصْطِلَاحِ فِي حَقِّهِمَا فَبَقِيَ ثَمَنًا كَمَا كَانَ، وَفَسَدَ بَيْعُ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ) وَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ مَوْصُوفًا، وَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀. هُوَ يَقُولُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ الْجِنْسِ كَالْإِبِلِ، وَالسِّنِّ كَالْجَذَعِ وَالثَّنِيِّ، وَالنَّوْعِ كَالْبُخْتِ وَالْعِرَابِ، وَالصِّفَةِ كَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، وَالتَّفَاوُتُ بَعْدَ ذَلِكَ سَاقِطٌ لِقِلَّتِهِ فَأَشْبَهَ الثِّيَابَ، وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فِي تَجْهِيزِ الْجَيْشِ إلَى أَجَلٍ. وَأَنَّهُ ﵊ اسْتَقْرَضَ بَكْرًا وَقَضَاهُ رُبَاعِيًّا» وَالسَّلَمُ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْ الِاسْتِقْرَاضِ.
وَلَنَا أَنَّ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي اشْتَرَطَهُ الْخَصْمُ يَبْقَى تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ فِي الْمَالِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ، فَقَدْ يَكُونُ فَرَسَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ ثَمَنُ إحْدَاهُمَا زِيَادَةً فَاحِشَةً لِلْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ فَيُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمُنَافِيَةِ لِوَضْعِ الْأَسْبَابِ، بِخِلَافِ الثِّيَابِ؛ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ، فَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا بَعْدَ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ، وَشِرَاءُ الْبَعِيرِ بِبَعِيرَيْنِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا أَوْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا رِبَا بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ فِيهَا، وَتَجْهِيزُ الْجَيْشِ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَقْلُ الْآلَاتِ كَانَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِعِزَّتِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute