للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَهُ فِيهِ) أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا»، فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، إذْ الْإِسْلَامُ وَالْإِسْلَافُ يُنْبِئَانِ عَنْ التَّعْجِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِاسْمِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ لِيَتَقَلَّبَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ

كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّةِ. وَقِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَهِيَ السَّلَمُ وَالثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَالْقِسْمَةُ. وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِصْرُ عَظِيمًا، فَلَوْ كَانَ بَيْنَ نَوَاحِيهِ مِثْلُ فَرْسَخٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَاحِيَةً مِنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ.

قَالَ (وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ حَتَّى يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ) مَعْنَاهُ أَنَّ السَّلَمَ لَا يَبْقَى صَحِيحًا بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إذَا لَمْ يَقْبِضْ رَأْسَ الْمَالِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ صَاحِبَهُ بَدَنًا لَا مَكَانًا، حَتَّى لَوْ مَشَيَا فَرْسَخًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يُفْسَخْ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ غَيْرِ قَبْضٍ، فَإِذَا افْتَرَقَا كَذَلِكَ فَسَدَ، أَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ»: أَيْ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا؛ فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، إذْ الْإِسْلَامُ وَالْإِسْلَافُ يُنْبِئَانِ عَنْ التَّعْجِيلِ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ آجِلٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَاجِلًا لِيَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الِاسْمُ لُغَةً كَالصَّرْفِ وَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ فَإِنَّهَا عُقُودٌ ثَبَتَتْ أَحْكَامُهَا بِمُقْتَضَيَاتِ أَسْمَائِهَا لُغَةً، وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْقِيَاسُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَتَرْكُ شَرْطِ التَّعْجِيلِ لَمْ يُؤَدِّ إلَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ لِيَتَقَلَّبَ: أَيْ لِيَتَصَرَّفَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ (وَلِهَذَا) أَيْ وَلِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ (قُلْنَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>