للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي عَكْسِهِ قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُنْكِرًا.

وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ، وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(وَلَوْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ بَلْ كَانَ لَهُ أَجَلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ حَقًّا لَهُ وَهُوَ الْأَجَلُ، وَالْفَسَادُ لِعَدَمِ الْأَجَلِ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ لِمَكَانِ الِاجْتِهَادِ

«الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّاسَ مَعَ وُفُورِ عُقُولِهِمْ وَشِدَّةِ تَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْغَبْنِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَكَثْرَةِ رَغْبَتِهِمْ فِي التِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ يُقْدِمُونَ عَلَى السَّلَمِ مَعَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ، وَذَلِكَ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَى رِبَا الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ رَدِيئًا وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّورَةِ، فَمُنْكِرُ صِحَّةِ الصُّورَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لَكِنَّهُ مُدَّعٍ فِي الْمَعْنَى فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَإِنْ انْعَكَسَتْ الْمَسْأَلَةُ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ رَبُّ السَّلَمِ الْوَصْفَ، وَأَنْكَرَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْمَشَايِخِ (قَالُوا: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُنْكِرًا) وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ (قَوْلُهُ: وَسَنُقَرِّرُهُ مِنْ بَعْدُ) يُرِيدُ بِهِ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَهُ بِخُطُوطِ الْقَوْلِ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا، وَفِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْبَعِيدِ وَالْمُطَابِقِ وَنُقَرِّرُهُ.

وَلَوْ قَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجَلٌ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ بَلْ كَانَ لَهُ أَجَلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْأَجَلُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ بِإِنْكَارِهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَسَلَامَةَ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَهُ وَهُوَ يَرْبُو عَلَى رَأْسِ الْمَالِ فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. أَجَابَ الْمُصَنِّفُ (بِأَنَّ الْفَسَادَ بِعَدَمِ الْأَجَلِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لِمَنْ كَانَ الِاجْتِهَادُ) فَإِنَّ السَّلَمَ الْحَالَّ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا بِعَدَمِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ إنْكَارِهِ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَكُونُ النَّفْعُ بِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ عَدَمِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنَّ الْفَسَادَ بِعَدَمِهِ مُتَيَقَّنٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى خِلَافِ مُخَالِفٍ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ وَضْعِهَا غَيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>