وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَعِّي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُنْكِرِ وَإِنْ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ.
بَعْدَهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ بِهِ وَإِنْكَارُهُ إنْكَارٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِيهَا تَنَوَّعَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهَا إذَا فَسَدَتْ كَانَتْ إجَارَةً، وَإِذَا صَحَّتْ كَانَتْ شَرِكَةً، فَإِذَا اخْتَلَفَا فَالْمُدَّعِي لِلصِّحَّةِ مُدَّعٍ لِعَقْدٍ، وَالْمُدَّعِي لِلْفَسَادِ مُدَّعٍ لِعَقْدٍ آخَرَ خِلَافَهُ، وَوَحْدَةُ الْعَقْدِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ تَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ لِلتَّنَاقُضِ الْمَرْدُودِ لِوَحْدَةِ الْمَحَلِّ، وَعَدَمُ وَحْدَتِهِ تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِ الِاخْتِلَافِ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ. وَلَمَّا كَانَ السَّلَمُ عَقْدًا وَاحِدًا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ إنْكَارًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْإِنْكَارُ، وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَهِيَ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَكَانَ الْمَحَلُّ مُخْتَلِفًا وَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ الِاخْتِلَافُ مُعْتَبَرًا فَكَأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ. وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ ﵀ عَنْ الْوَحْدَةِ بِاللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفَسَادِ لَا يَنْقَلِبُ عَقْدًا آخَرَ وَعَنْ غَيْرِهَا بِغَيْرِ اللُّزُومِ لِانْقِلَابِهِ عَقْدًا آخَرَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْعُذْرُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ فِي الْمُضَارَبَةِ يُشْكِلُ بِمَا لَوْ قَالَ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ لَا بَلْ شَرَطْت لِي نِصْفَ الرِّبْحِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُضَارِبِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الِاخْتِلَافُ وَيَكُونَ الْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِإِنْكَارِهِ مَا يَدَّعِيهِ الْمُضَارِبُ فِي مَالِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُذْرَ الْمَذْكُورَ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى انْتِفَاءِ وُرُودِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَهَاهُنَا قَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ أَثْبَتَ لَهُ بِقَوْلِهِ شَرَطْت لَك نِصْفَ الرِّبْحِ مَا يَدَّعِيهِ وَيَدَّعِي بِقَوْلِهِ وَزِيَادَةَ عَشَرَةٍ فَسَادَ الْعَقْدِ وَذَلِكَ إنْكَارٌ بَعْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ يُقَرِّرُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ وَرَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمُضَارِبُ كَمَا فِي السَّلَمِ، وَهَذَا الْمَحَلُّ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الْكِتَابِ وَجُهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute