(وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي طَسْتٍ أَوْ قُمْقُمَةٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إذَا كَانَ يُعْرَفُ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ (وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَجْهُولٌ. قَالَ (وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَجَلٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا) لِلْإِجْمَاعِ الثَّابِتِ بِالتَّعَامُلِ.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعًا لَا عِدَةً،
«مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» الْحَدِيثَ، وَحِينَئِذٍ كَانَ مِثْلَ قَوْلِنَا كُلُّ إنْسَانٍ نَاطِقٌ وَهُوَ يَنْعَكِسُ إلَى قَوْلِنَا كُلُّ مَا لَيْسَ بِإِنْسَانٍ لَيْسَ بِنَاطِقٍ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ تَقْدِيمَ الْقَاعِدَةِ عَلَى الْفُرُوعِ يَلِيقُ بِوَضْعِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا فِي الْفِقْهِ فَالْمَقْصُودُ مَعْرِفَةُ الْمَسَائِلِ الْجُزْئِيَّةِ فَتُقَدَّمُ الْفُرُوعُ ثُمَّ يُذْكَرُ مَا هُوَ الْأَصْلُ الْجَامِعُ لِلْفُرُوعِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي طَسْتٍ أَوْ قُمْقُمٍ أَوْ خُفَّيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَ فِيهَا شَرَائِطُ السَّلَمِ، وَإِلَّا فَلَا خَيْرَ فِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ خَيْرٌ فَيَنْتَفِي.
قَالَ (وَإِنْ اسْتَصْنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ ذِكْرِ الْأَجَلِ جَازَ إلَخْ) الِاسْتِصْنَاعُ هُوَ أَنْ يَجِيءَ إنْسَانٌ إلَى صَانِعٍ فَيَقُولَ اصْنَعْ لِي شَيْئًا صُورَتُهُ كَذَا وَقَدْرُهُ كَذَا بِكَذَا دِرْهَمًا وَيُسْلِمُ إلَيْهِ جَمِيعَ الدَّرَاهِمِ أَوْ بَعْضَهَا أَوْ لَا يُسْلِمُ، وَهُوَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: أَيْ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ طَسْتٍ وَقُمْقُمٍ وَخُفَّيْنِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ وَالْأَوَّلُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَقَدْ نَهَى ﷺ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، وَهَذَا لَيْسَ بِسَلَمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضْرَبْ لَهُ أَجَلٌ، إلَيْهِ أَشَارَ قَوْلُهُ: بِغَيْرِ أَجَلٍ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ الْإِجْمَاعُ الثَّابِتُ بِالتَّعَامُلِ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ تَعَارَفُوا الِاسْتِصْنَاعَ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِمِثْلِهِ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ، وَلَا يُشْكِلُ بِالْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ فِيهَا لِلنَّاسِ تَعَامُلًا، وَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا كَانَ ثَابِتًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ دُونَ الِاسْتِصْنَاعِ. وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ هَلْ هُوَ بَيْعٌ أَوْ عِدَةٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَيْعٌ لَا عِدَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَكَانَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ يَقُولُ: هُوَ مُوَاعَدَةٌ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ بِالتَّعَاطِي إذَا جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا، وَلِهَذَا يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ.
وَجْهُ الْعَامَّةِ أَنَّهُ سَمَّاهُ فِي الْكِتَابِ بَيْعًا وَأَثْبَتَ فِيهِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، وَذَكَرَ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ لَا فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ، كَمَا إذَا طَلَبَ مِنْ الْحَائِكِ أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا بِغَزْلٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ الْخَيَّاطِ أَنْ يَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا بِكِرْبَاسَ مِنْ عِنْدِهِ، وَالْمُوَاعَدَةُ تَجُوزُ فِي الْكُلِّ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَاعَدَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا عَرَضَا بِعَرْضٍ وَلَمْ يَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا اشْتَرَاهُ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ وَهُوَ بَيْعٌ مَحْضٌ لَا مَحَالَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute