للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ (وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ

هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، ثُمَّ الْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ وَالْمُخَافَتَةُ فِيمَا يُخَافَتُ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَلَيْنَا أَخْفَيْنَا عَلَيْكُمْ.

وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى الْجَهْرِ فِيمَا يَجْهَرُ وَعَلَى الْمُخَافَتَةِ فِيمَا يُخَافِتُ. وَبِالْمَعْنَى الْفِقْهِيِّ فَإِنَّهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ إظْهَارُهُمَا فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلِهَذَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الِابْتِدَاءِ إلَّا أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا لَغَوْا عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَغَلَّطُوهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَرَكَ الْجَهْرَ فِيهِمَا بِهَذَا الْعُذْرِ» وَالْعُذْرُ وَإِنْ زَالَ بِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ بَقِيَتْ الْمُخَافَتَةُ كَالرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ.

وَأَمَّا «فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فَالْكُفَّارُ كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ وَنِيَامًا فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِالْقِرَاءَةِ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ» عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ (وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ)؛ لِأَنَّهُ إمَامٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَاءَ خَافَتْ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ فَلَمَّا تَجَاذَبَ مُوجِبُ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَأَسْمَعَ نَفْسَهُ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ فَائِدَةُ الْجَهْرِ الْإِسْمَاعُ وَلَا إسْمَاعَ هَاهُنَا إذْ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ يَسْمَعُهُ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَائِدَةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي إسْمَاعِ الْغَيْرِ بَلْ مِنْ فَائِدَتِهِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>