قَالَ (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ) لِأَنَّهَا مَالٌ مَعْلُومٌ، فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِالِاصْطِلَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِهَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا لِأَنَّهَا سِلَعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا (وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ.
وَقْتَ الْبَيْعِ.
قَالَ (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ إلَخْ) الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْلُومٌ: أَيْ مَعْلُومٌ قَدْرُهُ وَوَصْفُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ إشَارَةً إلَى وُجُوبِ بَيَانِ الْمِقْدَارِ وَالْوَصْفِ أَوْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ، ثُمَّ إنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ نَافِقَةً أَوْ كَاسِدَةً حَالَةَ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ؛ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِالِاصْطِلَاحِ، فَالْمُشْتَرِي بِهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مَا عَيَّنَ بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ دَفْعِ ذَلِكَ وَدَفْعِ مِثْلِهِ وَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا بُدَّ لِجَوَازِ الْبَيْعِ بِهَا مِنْ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهَا سِلَعٌ. وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ ثُمَّ كَسَدَتْ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي كَسَادِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ قَبْلَ نَقْدِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَطَلَ الْبَيْعُ خِلَافًا لَهُمَا.
قَالَ الشَّارِحُونَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ مِنْ الِاخْتِلَافِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ عِنْدَ كَسَادِ الْفُلُوسِ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. وَذَكَرُوا نَقْلَ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى السُّكُوتِ عَنْ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَسْرَارِ وَهُوَ مَا قِيلَ فِيهِ: إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الشِّرَاءُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ الْكَسَادِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِهِ، وَالْعَقْدُ لَا يَبْطُلُ بِالْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ وَكَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي الرُّطَبِ فَانْقَطَعَ أَوَانُهُ، وَهَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عِنْدَنَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ، لَكِنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ لِزُفَرَ ﵀ يَمْنَعُهُ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُمَا فِي كَسَادِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ حَيْثُ قَالَا: الْكَسَادُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ فَجَعْلُهُ مُفْسِدًا هَاهُنَا يُفْضِي إلَى التَّحَكُّمِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَعْنًى فِقْهِيٌّ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَظْفَرْ بِذَلِكَ.
قَالَ ﵀:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute