فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى، وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ
(وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ.
قِلَّةِ الْقِرَاءَةِ فَكَانَ أَنْسَبَ لِذِكْرِ قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ شُعَبَ بَحْثِ الْحَضَرِ كَثِيرَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ بَحْثِ السَّفَرِ لِيَدْخُلَ فِي بَحْثِ الْحَضَرِ عَلَى فَرَاغٍ، وَكَلَامُ فِي السَّفَرِ ظَاهِرٌ. وَالْأَمَنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ: هُوَ الْأَمْنُ. وَلَمَّا كَانَ السَّفَرُ مَظِنَّةَ التَّخْفِيفِ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَخُفِّفَ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُ فِي حَالِ الْأَمْنِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَثَّرَ فِي إسْقَاطِ شَطْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا التَّعْلِيلُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ فِي طَرَفِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْوَاثِ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ هَاهُنَا بِوُجُودِ التَّخْفِيفِ مَرَّةً عَلَى التَّخْفِيفِ ثَانِيًا وَأَبَى ذَلِكَ هُنَاكَ. أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِتَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ عَمَلٌ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ظَهَرَ تَأْثِيرُهُ فِي الْأَصْلِ كَانَ ظُهُورُ تَأْثِيرِهِ فِي الْوَصْفِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِلْأَصْلِ، بِخِلَافِ الْأَرْوَاثِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ عَمِلَتْ فِي صِفَةِ التَّخْفِيفِ مَرَّةٌ فَكَفَتْ مُؤْنَتُهَا بِهَا فَلَا تَعْمَلُ ثَانِيَةً.
(وَيَقْرَأُ فِي الْحَضَرِ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ سِوَى الْفَاتِحَةِ) وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ، وَيُرْوَى مِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَتْ الْآثَارُ. قَالَ «مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ: تَلَقَّنْت سُورَةَ ق وَاقْتَرَبَتْ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهِ لَهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» وَقِ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً، وَاقْتَرَبَتْ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ أَوْ سِتٌّ وَخَمْسُونَ آيَةً. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ، وَالْأُولَى ثَلَاثُونَ وَالثَّانِيَةُ إحْدَى وَثَلَاثُونَ» فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ مَقَادِيرُ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ اخْتَلَفَتْ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فِيهَا، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَقَادِيرَ أَيُّهَا كَانَتْ إنَّمَا تَكُونُ فِي رَكْعَتَيْنِ لَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى تَكُونَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِشْرُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute