للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَقَضَاهُ الْأَلْفَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ صَاحِبُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَلَا يَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، كَمَنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي،

تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَهَا كَمَا امْتَنَعَ قَبْلَهَا فَمَاذَا يَكُونُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفِيلَ يَغْرَمُ مَا كَفَلَ بِهِ، وَالْكَلَامُ فِي كَفِيلِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ هَلْ هُوَ زَعِيمٌ أَوْ لَا، وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَنْصَارِيِّ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عَلِيٍّ أَوْ أَبِي قَتَادَةَ إقْرَارًا بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ، فَإِنَّ لَفْظَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَلَا عُمُومَ لِحِكَايَةِ الْحَالِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا بِالتَّبَرُّعِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِجَوَازِهِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِعَلِيٍّ مَا فَعَلَ الدِّينَارَانِ؟ حَتَّى قَالَ يَوْمًا قَضَيْتهمَا فَقَالَ: الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدَتُهُ» وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَ كَفَالَةً لَأَجْبَرَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ لَزِمَهُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ لِعَدَمِ مَا يُضَمُّ إلَيْهِ وَجَاحِدُهُ مُتَسَاهِلٌ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الشَّرْعِ جَعْلُ الذِّمَّةِ الْمَعْدُومَةِ مَوْجُودَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَم.

قَالَ (وَمَنْ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ إلَخْ) رَجُلٌ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ بِأَلْفٍ عَلَيْهِ فَقَضَى الْأَصِيلُ الْكَفِيلَ الْأَلْفَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الْأَلْفَ صَاحِبَ الْمَالِ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَضَاهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ بِأَنْ دَفَعَ الْمَالَ إلَيْهِ وَقَالَ إنِّي لَا آمَنُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ الطَّالِبُ مِنْك حَقَّهُ فَخُذْهَا قَبْلَ أَنْ تُؤَدِّيَ فَقَبَضَهُ أَوْ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْأَصِيلُ لِلْكَفِيلِ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَادْفَعْ إلَى الطَّالِبِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِلْأَصِيلِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا: أَيْ فِي الْأَلْفِ الْمَدْفُوعِ، وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْقَابِضِ، وَهُوَ الْكَفِيلُ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَمَا لَمْ يَبْطُلْ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِأَدَاءِ الْأَصِيلِ بِنَفْسِهِ حَقَّ الطَّالِبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إذَا كَانَ لِغَرَضٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِرْدَادُ فِيهِ مَا دَامَ بَاقِيًا لِئَلَّا يَكُونَ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ، وَهَذَا كَمَنْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ وَدَفَعَهَا إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>