فَكَذَا إذَا قَبَضَهُ يَمْلِكُهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ خُبْثٍ نُبَيِّنُهُ فَلَا يُعْمَلُ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ
(وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ فَقَبَضَهَا الْكَفِيلُ فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْحُكْمِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ (قَالَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ الْكُرَّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ لَهُ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ.
وَفِيهِ مِنْ التَّمَحُّلِ مَا تَرَى مِنْ تَنْزِيلِ الْمُطَالَبَةِ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَتَمَلُّكُهُ مَا قَبَضَ بِمُجَرَّدِ مَا لَهُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مِنْ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ أَوْ الْقَبْضِ فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ وَلَا يَمْلِكُ مَا قَبَضَ.
وَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يَكُونَ تَوْجِيهُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ لَا عَلَى الْكَفِيلِ، وَحِينَئِذٍ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّالِبِ لَيْسَ عَلَى الْكَفِيلِ إلَّا الْمُطَالَبَةُ، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ دَيْنٌ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مِثْلُ دَيْنِ الطَّالِبِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْكَفَالَةِ دَيْنَيْنِ وَثَلَاثَ مُطَالَبَاتٍ: دَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ حَالَّيْنِ لِلطَّالِبِ عَلَى الْأَصِيلِ، وَمُطَالَبَةٌ فَقَطْ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَدَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ، إلَّا أَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ دَيْنُ الْكَفِيلِ مُؤَجَّلًا، وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَهُوَ مُؤَجَّلٌ؟ قُلْنَا: مَعْنَاهُ فَنُزِّلَ هَذَا الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ مَنْزِلَةَ دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَكُنْ بِالْكَفَالَةِ، وَفِي ذَلِكَ إذَا قَبَضَهُ مُعَجَّلًا مَلَكَهُ، فَكَذَا هُنَا، هَذَا مَا سَنَحَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ إلَّا أَنَّ فِيهِ: أَيْ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ لِلْكَفِيلِ بِتَصَرُّفِهِ فِي الْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَقَدْ أَدَّى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ نَوْعُ خُبْثٍ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيَّنَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَالَةِ بِالْكُرِّ وَالْخُبْثُ لَا يَعْمَلُ مَعَ الْمِلْكِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ؛ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ فِي آخِرِ فَصْلِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا إذَا قَضَاهُ الْكَفِيلُ فَلَا خُبْثَ فِيهِ أَصْلًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.
وَإِذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ فَالرِّبْحُ لَا يَطِيبُ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ مِنْ أَصْلٍ خَبِيثٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ أَصْلُهُ الْمُودَعُ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
قَالَ (وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِكُرِّ حِنْطَةٍ إلَخْ) مَا مَرَّ كَانَ فِي حُكْمِ الرِّبْحِ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ كَكُرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ قَبَضَهَا الْكَفِيلُ مِنْ الْأَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الطَّالِبِ وَتَصَرَّفَ فِيهَا وَرَبِحَ فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْقَضَاءِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الَّذِي قَضَاهُ: يَعْنِي الْمَكْفُولَ عَنْهُ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ، وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ عَنْهُ: الرِّبْحُ لَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute