للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنُّقْصَانِ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ

(وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) بِحَيْثُ لَا تَجُوزُ بِغَيْرِهَا لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا (وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ) لِمَا فِيهِ مِنْ

وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى بِثَلَاثِينَ آيَةً وَفِي الثَّانِيَةِ بِعَشْرِ آيَاتٍ أَوْ عِشْرِينَ، وَهَذَا بَيَانُ الْأَوْلَوِيَّةِ.

وَأَمَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَالْجَوَازُ وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ فَاحِشًا بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِأَرْبَعِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ. وَأَمَّا إطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى فَمَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ بِآيَةٍ»، وَلَمَّا قَالَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ وَهَذَا فِي الْفَرَائِضِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ زِيَادَةَ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ، وَقِيلَ لَيْسَتْ بِمَكْرُوهَةٍ؛ لِأَنَّ أَمْرَ النَّوَافِلِ أَسْهَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا جَازَتْ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ.

وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا يَتَرَاءَى أَنَّهُمَا فِي إفَادَةِ الْحُكْمِ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مُتَغَايِرَانِ وَضْعًا وَبَيَانًا. أَمَّا الْوَضْعُ فَلِأَنَّ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْقُدُورِيِّ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ الْتَزَمَ الْإِتْيَانَ بِهِمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَتَانِ. وَأَمَّا الْبَيَانُ فَلِأَنَّ مَعْنَى الْأُولَى لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ مُطْلَقًا تَعْيِينُ قِرَاءَةِ سُورَةٍ بِعَيْنِهَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهَا، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ عَيَّنَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا، وَقَالَ: لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ. قُلْنَا إنَّهُ بَاطِلٌ (لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا) مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ لَا يُقَالُ: فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لَا تَتَعَيَّنُ رُكْنًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ مِنْ لَفْظِ الْهِدَايَةِ، وَهَاهُنَا ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ لَفْظِ الْقُدُورِيِّ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ يُكْرَهُ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُصَلِّي شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ مِثْلَ الم السَّجْدَةَ وَ ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ﴾ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ كَالْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا، وَهُوَ أَيْضًا احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ» فَكَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَقُلْنَا إنَّ فِي ذَلِكَ هَجْرَ الْبَاقِي وَإِيهَامَ التَّفْضِيلِ بِلَا دَلِيلٍ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ شَكَا الرَّسُولُ قَوْمَهُ قُرَيْشًا إلَى رَبِّهِ بِاِتِّخَاذِهِمْ الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَهُوَ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ لَوْلَا رِوَايَةُ الْجَوَازِ بِغَيْرِهَا فَمَعَهَا يَكُونُ مَكْرُوهًا. لَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ هَجْرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْضِيلٌ بِدَلِيلٍ، وَهُوَ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>