للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَصَلَتْ مُطْلَقَةً فَلَا تَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ. وَلَنَا أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ، أَوْ تَنْفَسِخُ الْحَوَالَةُ لِفَوَاتِهِ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ

لَا يَرْجِعُ وَإِنْ تَوَى؛ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ حَصَلَتْ مُطْلَقَةً: أَيْ عَنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُحِيلِ عِنْدَ التَّوَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقْيِيدِ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ، وَتَأَيَّدَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَلِيٍّ دَيْنٌ فَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى آخَرَ فَمَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: اخْتَرْت عَلِيًّا فَقَالَ أَبْعَدَك اللَّهُ فَأَبْعَدَهُ بِمُجَرَّدِ احْتِيَالِهِ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ الرُّجُوعَ.

قُلْنَا: الْبَرَاءَةُ حَصَلَتْ مُطْلَقَةً لَفْظًا أَوْ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يُفِيدُكُمْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ الْعُرْفِ أَوْ الْعَادَةِ فَنَقُولُ: إنَّهَا حَصَلَتْ مُقَيَّدَةً بِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَفْظًا بِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْحَوَالَةِ التَّوَصُّلُ إلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمَحَلِّ الثَّانِي لَا نَفْسُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِيفَاءِ فَصَارَتْ سَلَامَةُ الْحَقِّ مِنْ الْمَحَلِّ الثَّانِي كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَطْلُوبَ، فَإِذَا فَاتَ الشَّرْطُ عَادَ الْحَقُّ إلَى الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ فَصَارَ وَصْفُ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ الْمُحَالِ بِهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَعُودُ حَقُّهُ فِي الثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَفْظًا لِمَا أَنَّ وَصْفَ السَّلَامَةِ مُسْتَحَقٌّ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ تَنْفَسِخُ وَيَعُودُ الدَّيْنُ وَهُوَ عِبَارَةُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ تَنْفَسِخُ الْحَوَالَةُ لِفَوَاتِهِ أَيْ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ السَّلَامَةُ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ، حَتَّى لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى فَسْخِ الْحَوَالَةِ انْفَسَخَتْ، وَكُلُّ مَا هُوَ قَابِلٌ لَهُ إذَا فَاتَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ يَنْفَسِخُ، كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ مَعِيبًا وَاخْتَارَ رَدَّهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيُعَادُ الثَّمَنُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لِمَا مَرَّ إشَارَةً إلَى عِبَارَةِ آخَرِينَ مِنْهُمْ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ تَنْفَسِخُ وَيُعَادُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ، فَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَ طَرِيقَيْ الْمَشَايِخِ ، وَاسْتَخْدَمَ قَوْلَهُ فَصَارَ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ فِيهِمَا بِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا تَوَى الْمَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَادَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ، وَلَا تَوَى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ. وَلَمْ يُعْرَفْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ.

وَعُورِضَ بِأَنَّ الْمُحَالَ وَقْتَ الْحَوَالَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَ الْحَوَالَةَ فَيَنْتَقِلَ حَقُّهُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْبَاهَا إبْقَاءً لِحَقِّهِ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَكُلُّ مُخَيَّرٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْآخَرِ كَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِ الْغَاصِبَيْنِ ثُمَّ تَوَى مَا عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، وَكَالْمَوْلَى إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>