للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الْفَوَاتَ إلَى خُلْفٍ كَلَا فَوَاتَ، وَقَدْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ أَيْضًا، وَحُكْمُ الْمُقَيَّدَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ

عَلَى نَوْعَيْنِ: مُقَيَّدَةٍ، وَمُطْلَقَةٍ. فَالْمُقَيَّدَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَيِّدَ الْمُحِيلُ الْحَوَالَةَ بِالْعَيْنِ الَّذِي لَهُ فِي يَدِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ. وَالثَّانِي أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. وَالْمُطْلَقَةُ وَهِيَ أَنْ يُرْسِلَهَا إرْسَالًا لَا يُقَيِّدَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَا بِعَيْنٍ لَهُ فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ فِي يَدِهِ أَوْ أَنْ يُحِيلَ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا لَهُ فِي يَدِهِ عَيْنٌ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ حَالَّةٌ وَمُؤَجَّلَةٌ. فَالْحَالَّةُ هِيَ أَنْ يُحِيلَ الْمَدْيُونُ الطَّالِبَ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لِتَحْوِيلِ الدَّيْنِ مِنْ الْأَصِيلِ فَيَتَحَوَّلُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَى الْأَصِيلِ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْأَصِيلِ حَالَّةً فَكَذَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَصِيلِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَكِنَّهُ يَفْعَلُ بِهِ مَا فَعَلَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ. وَالْمُؤَجَّلَةُ هُوَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلًا فَيُحِيلُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنَّ الْمَالَ يَكُونُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهَا كَذَلِكَ. إذَا عُرِفَ هَذَا، فَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ آخَرَ فَهُوَ جَائِزٌ لِبَيَانِ جَوَازِ الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَدِيعَةً.

وَقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْقَضَاءِ دَلِيلُ جَوَازِهِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَدَاءَ مِنْهَا يَتَحَقَّقُ مِنْ عَيْنِ حَقِّ الْمُحِيلِ وَحِينَئِذٍ لَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَكَانَ أَقْدَرَ. وَالثَّانِي أَنَّ الْوَدِيعَةَ حَاصِلَةٌ بِعَيْنِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى كَسْبٍ وَالدَّيْنُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ أَقْدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ فَكَانَتْ جَائِزَةً بِالدَّيْنِ، فَلَأَنْ تَكُونَ جَائِزَةً بِالْعَيْنِ أَجْدَرُ، فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بَرِئَ الْمُودَعُ وَهُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُحَالِ شَيْءٌ عَلَيْهِ لِتَقَيُّدِهَا بِهَا: أَيْ لِتَقَيُّدِ الْحَوَالَةِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا وَيَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا كَالزَّكَاةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِنِصَابٍ مُعَيَّنٍ.

وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ بِأَنْ كَانَ الْأَلْفُ مَغْصُوبًا عِنْدَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَقَيْدُ الْحَوَالَةِ بِهَا بَيَانٌ لِجَوَازِهَا بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَأَنَّهَا إذَا هَلَكَتْ لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ إذَا هَلَكَ وَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَكَانَ الْفَوَاتُ بِهَلَاكِهِ فَوَاتًا إلَى خَلَفٍ، وَذَلِكَ كَلَا فَوَاتَ فَكَانَ بَاقِيًا حُكْمًا.

وَقَوْلُهُ: وَقَدْ تَكُونُ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ أَيْضًا بَيَانٌ لِجَوَازِهَا مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْمَدْيُونِ عَلَى آخَرَ كَذَلِكَ، وَأَحَالَ الْمَدْيُونُ الطَّالِبَ بِدَيْنِهِ عَلَى مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي لِلْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ، وَحُكْمُ الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ الْحَوَالَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِالْعَيْنِ وَدِيعَةً كَانَتْ أَوْ غَصْبًا وَبِالدِّينِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ الَّذِي قُيِّدَتْ الْحَوَالَةُ بِهِ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ فَإِنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِنَقْلِ حَقِّهِ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ أَوْ يُوَفِّي حَقَّهُ مِمَّا لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ أَوْ بِيَدِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اسْتِيفَائِهِ، وَأَخَذَ الْمُحِيلُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>