بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَرَّفٍ، وَلَوْ كَانَ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَارِثِهِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ.
(وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا
بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ قَضَاءٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ وَقَبْلَ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ فَبَطَلَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْضِيَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي قَبْلَ إتْمَامِهَا. وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا وَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إخْبَارُ قَاضٍ آخَرَ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا عُزِلَ، أَمَّا فِي الْمَوْتِ أَوْ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَالْمَجْنُونَ لَا يُلْتَحَقَانِ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُعْلَمُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَيًّا وَعَلَى أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ لَمْ يَبْقَ كَلَامُهُ حُجَّةً، فَلَأَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْخُرُوجِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بَطَلَ كِتَابُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْمَلُ بِهِ مَنْ كَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَ عَلَى عِلْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَانَتِهِ، وَالْقُضَاةُ يَتَفَاوَتُونَ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَصَارُوا كَالْأُمَنَاءِ فِي الْأَمْوَالِ، وَهُنَاكَ قَدْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَكَذَا هَاهُنَا إلَّا إذَا صَرَّحَ بِاعْتِمَادِهِ عَلَى الْكُلِّ بَعْدَ تَعْرِيفِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ ثُمَّ صَيَّرَ غَيْرَهُ تَبَعًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَتَبَ ابْتِدَاءً مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي بَلَدِ كَذَا إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَجْهُولٍ، وَالْعِلْمُ فِيهِ شَرْطٌ كَمَا مَرَّ وَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي جَوَازِهِ، فَإِنَّهُ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَسَّعَ كَثِيرًا تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ (وَلَوْ مَاتَ الْخَصْمُ يَنْفُذُ الْكِتَابُ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ) سَوَاءٌ كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بَعْدَهُ.
(وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الشُّهُودِ (وَلَنَا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِيهِمَا (وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute