للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، ثُمَّ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْهَا وَفِيمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَا يُعْتَبَرُ مُخَالَفَةُ الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافٌ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ وَالْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ

بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَإٍ بِيَقِينٍ) لِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِهِ نَافِذٌ كَعَامَّةِ الْمُجْتَهَدَاتِ.

وَوَجْهُ عَدَمِهِ أَنَّهُ زَعَمَ فَسَادَ قَضَائِهِ وَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ) فَيَعْمَلُ بِهِ بِزَعْمِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ (ثُمَّ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَا) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ مَاضٍ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُجْتَهَدَ فِيهِ فَقَالَ ثُمَّ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَرُفِعَ إلَى آخَرَ لَمْ يُنَفِّذْهُ بَلْ يُبْطِلُهُ حَتَّى لَوْ نَفَّذَهُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ نُقِضَ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ، وَالْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، بِخِلَافِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا رُفِعَ إلَى الثَّانِي نَفَّذَهُ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ نَقَضَهُ فَرُفِعَ إلَى ثَالِثٍ فَإِنَّهُ يُنْفِذُ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ وَيُبْطِلُ الثَّانِيَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ نَافِذٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالثَّانِي مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ لَا يَنْفُذُ، وَالْمُرَادُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ مُخَالَفَةُ نَصِّ الْكِتَابِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ فَإِنَّ السَّلَفَ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَزَوُّجِ امْرَأَةِ الْأَبِ وَجَارِيَتِهِ الَّتِي وَطِئَهَا الْأَبُ، فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقَضَهُ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ (وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةُ مِنْهَا) كَمَا ذَكَرْنَا (وَالْمُرَادُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) أَيْ جُلُّ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ (وَمُخَالَفَةُ الْبَعْضِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ) فَعَلَى هَذَا إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَانَ حُكْمُهُ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ نَقَضَهُ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَاحِدُ الْمُخَالِفُ مِمَّنْ لَمْ يُسَوِّغْ اجْتِهَادُهُ ذَلِكَ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي جَوَازِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ لَمْ يُسَوِّغْ لَهُ أَحَدٌ ذَلِكَ فَلَمْ يَتْبَعْهُ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَجَبَ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْحُرْمَةِ بِدُونِهِ

فَأَمَّا إذَا سُوِّغَ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي اشْتِرَاطِ حَجْبِ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْجَمْعِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَفِي إعْطَائِهَا ثُلُثَ الْجَمِيعِ بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَلَعَلَّهُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ خِلَافَ الْأَقَلِّ غَيْرُ مَانِعٍ لِانْعِقَادِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ) مَعْنَاهُ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>