للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ فِي السَّاقِطِ فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ عَلَى مَا مَرَّ.

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ إذْ هُوَ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ قَبْلَهَا، وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَهَا تُقْبَلُ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ، وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الْهِبَةَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهَا وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ عِنْدَهَا، وَدَعْوَى الشِّرَاءِ رُجُوعٌ عَنْهُ فَعُدَّ مُنَاقِضًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ

الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ الشَّغَبِ وَالْخِصَامِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْبَاطِلِ كَمَا يَتَحَقَّقُ بِالْحَقِّ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي دَعْوَاك فَاسِدَةٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَيُمْكِنُهُ إزَالَةُ الْفَسَادِ بِإِعْلَامِ مِقْدَارٍ مِمَّا يَدَّعِي فَلَا يَكُونُ رَدُّهُ مُفِيدًا.

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ إلَخْ) إذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ مُنْذُ شَهْرَيْنِ مَثَلًا وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَجَحَدَ دَعْوَاهُ ذُو الْيَدِ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنِّي طَلَبْت مِنْهُ فَجَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاضْطُرِرْت إلَى شِرَائِهَا مِنْهُ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ، فَإِنْ شَهِدَتْ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ حَيْثُ قَالَ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَالشُّهُودُ شَهِدُوا بِشِرَاءٍ قَبْلَهَا فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُخَالِفَةً لِلدَّعْوَى.

وَالثَّانِي مِنْ حَيْثُ الدَّعْوَى نَفْسُهَا إنْ ثَبَتَ مُوجِبُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ تَقَدُّمُ وَقْتِ الشِّرَاءِ عَلَى وَقْتِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ قَائِلًا وَهَبَ لِي هَذِهِ الدَّارَ وَكَانَتْ مِلْكًا لِي بِالشِّرَاءِ قَبْلَ الْهِبَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْهِبَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالشِّرَاءِ، وَإِنْ شَهِدُوا بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ادَّعَى فِيهِ الْهِبَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ. وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهْم يَشْهَدُونَ بِهِ قَبْلَهُ: أَيْ قَبْلَ عَقْدِ الْهِبَةِ أَوْ وَقْتَهَا، وَفِي بَعْضِهَا قَبْلَهَا: أَيْ قَبْلَ الْهِبَةِ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ادَّعَى الْهِبَةَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ عَقْدِ الْهِبَةِ أَوْ وَقْتَهَا وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ عِنْدَ الْهِبَةِ وَدَعْوَى الشِّرَاءِ قَبْلَهَا رُجُوعٌ مِنْهُ فَعُدَّ مُنَاقِضًا.

وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّهُ يُقَرِّرُ مِلْكَ الْوَاهِبِ عِنْدَهَا فَلَيْسَ بِمُنَاقِضٍ. قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى شِرَاءً بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى شِرَاءَ مَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا جَحَدَ الْهِبَةَ فَقَدْ فَسَخَهَا مِنْ الْأَصْلِ وَتَوَقَّفَ الْفَسْخُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي عَلَى رِضَاهُ، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْفَسْخِ فِيمَا بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>