(قَالَ: الشَّهَادَةُ فَرْضٌ تَلْزَمُ الشُّهُودَ وَلَا يَسَعُهُمْ كِتْمَانُهَا إذَا طَالَبَهُمْ الْمُدَّعِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ وقَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾
يُخْرِجُ الْأَخْبَارَ الصَّادِقَةَ غَيْرَ الشَّهَادَاتِ. وَسَبَبُ تَحَمُّلِهَا مُعَايَنَةُ مَا يَتَحَمَّلُهَا لَهُ وَمُشَاهَدَاتُهُ بِمَا يَخْتَصُّ بِمُشَاهَدَتِهِ مِنْ السَّمَاعِ فِي الْمَسْمُوعَاتِ وَالْإِبْصَارِ فِي الْمُبْصَرَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَسَبَبُ أَدَائِهَا إمَّا طَلَبُ الْمُدَّعِي مِنْهُ الشَّهَادَةَ، أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّ الْمُدَّعِي إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُدَّعِي كَوْنَهُ شَاهِدًا. وَشَرْطُهَا: الْعَقْلُ الْكَامِلُ وَالضَّبْطُ وَالْوِلَايَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا. وَحُكْمُهَا: وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْحَاكِمِ بِمُقْتَضَاهَا، وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ، لَكِنْ لَمَّا شَرَطَ الْعَدَالَةَ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ وَوَرَدَتْ النُّصُوصُ بِالِاسْتِشْهَادِ جُعِلَتْ مُوجِبَةً.
قَالَ (الشَّهَادَةُ فَرْضٌ تَلْزَمُ الشُّهُودَ إلَخْ) أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ يَلْزَمُ الشُّهُودَ بِحَيْثُ لَا يَسَعُهُمْ كِتْمَانُهُ أَكَّدَ الْفَرْضَ بِوَصْفَيْنِ وَهُوَ اللُّزُومُ وَعَدَمُ سَعَةِ الْكِتْمَانِ دَلَالَةً عَلَى تَأَكُّدِهِ، وَشَرَطَ مُطَالَبَةَ الْمُدَّعِي تَحْقِيقًا لِسَبَبِ الْأَدَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ أَيْ لِيُقِيمُوا الشَّهَادَةَ أَوْ لِيَتَحَمَّلُوهَا، وَسُمُّوا شُهَدَاءَ بِاعْتِبَارِ مَا تَئُولُ إلَيْهِ، وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِبَاءِ عِنْدَ الدَّعْوَةِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ كِتْمَانِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَالنَّهْيُ عَنْ أَحَدِ النَّقِيضِينَ وَهُوَ الْكِتْمَانُ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ النَّقِيضِ الْآخَرِ لِئَلَّا يَرْتَفِعَ النَّقِيضَانِ، فَإِذَا كَانَ الْكِتْمَانُ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَانَ الْإِعْلَانُ ثَابِتًا وَهُوَ يُسَاوِي الْإِظْهَارَ فَيَكُونُ ثَابِتًا، وَثُبُوتُهُ بِالْأَدَاءِ وَمَا لَمْ يَجِبْ لَا يَثْبُتُ فَكَانَ إظْهَارُ الْأَدَاءِ وَاجِبًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute